د. غيـلان / سيدني
الجواب بنعم يحمل استثناءات، فالنفايات يمكن اعادة انتاجها لتكون أسمدة أو تدخل في صناعات أخرى، والاستثناء هنا وعلى حد تصوري يشمل اثنتين، النفايات النووية والتي تنتجها الدول الصناعية وتلجأ إلى دفنها في الدول الفقيرة مقابل حفنة من الدولارات المُفسدة والتي سيدفع الشعب ساكن الأرض المجني عليها نووياً ثمنها غالياً في المستقبل، والنفايات الثانية في حقل الاستثناء نفايات العملية السياسية في العراق والمستمرة بالتراكم المعلن منذ 2003 وحتى لحظة الكتابة هذه، النفايات مستمرة وتأثيراتها فاقت وستتفوق على النفايات النووية فالتعليم إلى خراب والاقتصاد حدث ولا حرج والأمن من المفقودات المزمنة والحروب جعلت حفاري القبور يبحثون عن طرق ما بعد حداثوية للدفن السريع، والصحة وزيرتها عليلة ولا يكف المقربون منها من الدعاء لها بالاستمرار في وظيفتها التخريبية لكل البرامج الصحية والأطباء إلى رحيل، المالية مضافة مفتوحة لكل جماعات العملية السياسية، والخارجية تكفل بها فيلسوف الرطانة وصاحب قمقم المارد ابراهيم الجعفري .
التظاهرات السلمية والتي مضى عليها أكثر من عام لم تطل شعاراتها مصدر النفايات وما زالت التظاهرات تؤشر من بعيد إلى المصادر وهي معروفة وتشمل جميع الكتل وقادتها أفندية كانوا أو بعمائم دينية كانت أو قومية وحتى الذين ظننا أنهم معنا كالتيار الديمقراطي أثبت عجزه خلال التصويت على إقالة وزير الدفاع العبيدي، فقد كان من المتوقع انسحابهم ليس من البرلمان فحسب بل من العملية السياسية كلها فلا يمكن لقيادة هذا التيار أن تضع نفسها بين خيارين أولهما انتفاضة شعبية عارمة سيركضون لتصدرها أو الاستمرار داخل العملية السياسية والتمتع بمنافعها، فماذا ينتظر التيار الديمقراطي وأحزاب اليسار ومنظمات المجتمع المدني، أليست مهمتهم تمثيل الناس وتوسيع قاعدة الاحتجاج وفضح الفساد، ولماذا يجد هذا التيار صعوبة في الانسحاب من عملية سياسية أشر كل العالم عليها وقال كلمته فهي أفسد عملية سياسية في التاريخ .
كل المؤشرات تؤكد بأن العملية السياسية في العراق لا يمكن معالجتها إلا بحل جذري يبدأ بثورة دستورية تعالج الوهن في الدستور وتختزله محررة اياه من الثغرات والتقاطعات في بنوده وتعيد صياغته بلغة قانونية صارمة لا تسمح بالتفسيرات ومصالح اصحابها، وكل المؤشرات تؤكد بأن العراق أصبح رهينة للقوى الإقليمية ايران والسعودية وتركيا يغطيهم السقف الأمريكي بفوضاه غير الخلاقة التي دمرت البلاد، كل هذا يتطلب وحدة الخطاب المعارض ووضوح موقفه من العملية السياسية والنزول إلى الشارع وترك مقاعد البرلمان المزيف والدخول إلى ساحة الصراع الحقيقي فنفايات العملية السياسية في العراق لا تقبل التحسين بالمطلق، وما من مطيل بعمرها غير هذا النوم الذي يستفز هدوء القبور..!