أ.د. داخل حسن جريو/ سيدني
لم تعد النفايات مجرد عبئا ثقيلا على الدول،لما ينجم عنها من أضرار بالغة على البيئة،نتيجة الإنبعاثات الكربونية الناجمة عنها التي تسهم بتفاقم ظاهرة الإحتباس الحراري، بل أصبح الآن بالإمكان إستخدامها لتوليد الطاقة المتجددة التي غالبا ما تكون طاقة كهربائية أو حرارية، وذلك بفصل القمامة وتدويرها وحرقها في أفران ومراجل لإنتاج وقود غازي لغرض توليد الطاقة الكهربائية أو إنتاج ماء ساخن لأغراض التدفئة. يتوقع حرق نصف القمامة مستقبلا لتحويلها إلى وقود سائل أو وقود غازي.
تقوم تقنيات تحويل النفايات إلى طاقة بتحويل النفايات إلى أنواع مختلفة من الوقود،منها: الغاز الحيوي والوقود الحيوي السائل والهيدروجين النقي التي يمكن إستخدامها مباشرة أو لأغراض توليد الطاقة الكهربائية. تعد التقنيات الفيزيائية التي تقوم بمعالجة النفايات لتجعلها أكثر فائدة كوقود، والتقنيات الحرارية التي يمكن أن تولد الحرارة أو زيت الوقود من النفايات العضوية وغير العضوية، والتقنيات الحيوية التي تستخدم تخمير البكتريا لهضم النفايات العضوية لغرض إنتاج الوقود،أبرز تقنيات تحويل النفايات إلى طاقة في الوقت الحاضر.
يمكن استخدام التقنيات المتقدمة لتحويل النفايات إلى طاقة لإنتاج الغاز الحيوي (الميثان وثاني أكسيد الكربون)، أو الغاز الاصطناعي (الهيدروجين وأول أكسيد الكربون)، أو الوقود الحيوي السائل (الإيثانول والديزل الحيوي)، أو الهيدروجين النقي؛ ويمكن بعد ذلك تحويل هذه الأنواع المختلفة من الوقود إلى طاقة كهربائية.
تشير التقارير إلى زيادة كمية الطاقة المولدة من النفايات خلال الفترة الممتدة من (2001 إلى 2007) بمعدل أربعة ملايين طن سنويا.تعد اليابان أكبر مستخدم لمعالجة النفايات الصلبة حراريا بحجم يقدر بنحو (40) مليون طن. بدأت اليابان نَشر ثقافة "فصل النفايات"، كخطوة أولى نحو مشروع إنتاج الكهرباء من النفايات وإعادة التدوير، فكانت العائلة اليابانية الواحدة تمتلك في منزلها أكثر من صندوق للنفايات، كل منها مخصص للمخلفات بأشكالها، منها الزجاجية والحديدية والورقية.وقد تم إنشاء أول محطة لإنتاج الكهرباء من النفايات عام 1986 في موقع المكب داخل ميناء طوكيو، وكانت تعمل تلك المحطة بقدرة ( 960 ) كيلو واط ساعة، ومنذ عام 1997 وهي تعمل بقدرة إجمالية مقدارها ( 34.8 ) جيجا واط ساعة من الطاقة، وقد أثبت المشروع نجاحا كبيرا في اليابان.
أدركت الصين حجم الخطر البيئي الذي تشكله النفايات الصلبة المتراكمة أكواما في مكبات النفايات الكبيرة، فعالجت بنفسها وبأساليب بسيطة بيئتها، مستفيدة من عدد سكانها الضخم. دعت الحكومة الصينية المواطنين في بادئ الأمر إلى العمل في فرز النفايات مقابل القليل من المال، الذي زادت نسبته مع تطور الصناعة في الدولة التي اعتمدت في موادها الخام على المعاد تصنيعه. يوجد حاليا في الصين أكثر من (50) مصنعا لتوليد الطاقة إلى نفايات. يقدر عدد مصانع توليد الطاقة من النفايات في الدول الأوربية أكثر من (431) مصنعا. تولد أوربا وحدها أكبر نسبة من الغاز الحيوي أو الميثان المستخلص من النفايات أو مخلفات الحيوانات وغيرها من المواد العضوية حيث تمثل ألمانيا وحدها (70%) من السوق العالمية.وفي بريطانيا فان الغاز المستخرج من مواقع النفايات يمثل ربع الطاقة المتجددة المنتجة بالبلاد ويولد كهرباء تكفي نحو (900 ) ألف منزل.
كما تم تشغيل اول ناقلة ركاب بسعة (40) راكبا بين مدينتي برستل وباث الإنجليزيتين، بإستخدام غاز الميثان الحيوي الناتج من تدوير الفضلات وبقايا الطعام. تستطيع الحافلة قطع مسافة (300) كيلومتر لكل خزان وقود. ونظرا لنجاح تشغيل هذا النوع من الحافلات، فقد افتتحت في مدينة ريدنج الإنجليزية محطة تعبئة غاز الميثان الحيوي الناتج من تدوير الفضلات ، لتشغيل (34) حافلة غاز ميثان حيوي و(113) سيارة نقل أجرة عاملة في المدينة، وذلك بكلفة مليون جنيه أسترليني.
تعالج الدنمارك حالياً نسبة من نفاياتها تفوق ما يعالج في أي بلد آخر، إذ يذهب نحو(54%) منها الى محطات تحويل النفايات الى طاقة. وتعالج السويد وبلجيكا وألمانيا وهولندا وإسبانيا وفرنسا واليابان أكثر من ثلث نفاياتها في محطات مماثلة، بالمقارنة مع( 14%) في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية توجد تكنولوجيا توليد الكهرباء من النفايات منذالسبعينات كما تشير بذلك بعض التقارير،حيث قامت باستخدام النفايات المحتوية على مواد عضوية التي يسهل تخمرها بواسطة البكتريا مثل الورق والقماش والخشب وبقايا الطعام لإنتاج غاز الميثان، ومن ثم إنتاج الطاقة الكهربائية.قامت بعض الشركات في الولايات المتحدة باستغلال هذا التفاعل الذي يحدث طبيعيا في مستودعات النفايات لإنتاج الميثان بطاقة تصل إلى نحو( 140 ) ألفا من الأمتار المكعبة في اليوم، وتتم الاستفادة من المخلفات الصلبة في الريف بطريقة مماثلة فتجمع المخلفات النباتية، مثل حطب القطن وقش الأرز وتخلط بنفايات الحيوانات، ثم يعرض هذا الخليط لفعل البكتريا في آبار متوسطة العمق، ويستخدم غاز الميثان الناتج الذي يسمى في هذه الحالة اسم الغاز الحيوي في عمليتي التسخين وطهي الطعام أيضا، وقد استخدمت هذه الطريقة في أكثر من (90) مصنعا لتحويل النفايات إلى طاقة في كثير من المناطق الريفية في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي بلداننا العربية بدأت بلدية دبي تنظر الى النفايات كمصدر للطاقة البديلة،حيث يقدر حجم النفايات الصلبة التي تنتجها دول الخليج بنحو (70 ) ألف طن يوميا إلا أن نسبة ما يعالج منها تقدر بنحو( 20% ) فقط.
يقدر مختصون حجم خسائر دول مجلس التعاون الخليجي الناجمة عن عدم تدوير النفايات بمبلغ يتراوح بين (5 إلى 7 ) مليارات دولار سنويا. ومن أجل استغلال هذه النفايات وتحويل الغازات المنبعثة منها لانتاج طاقة بديلة صديقة للبيئة، أطلقت إمارة دبي أول مشروع من نوعه في المنطقة يتم من خلاله الاستفادة من الغازات المستخرجة من النفايات بتحويلها إلى طاقة كهربائية نظيفة.
تنتج هذه المحطة في الوقت الحاضر ميغاواطا واحدا من الطاقة الكهربائية الكفيلة بتلبية كافة احتياجات مكب النفايات ،ومن المتوقع أن ينتج النظام الجديد ( 20 ) ميغاواط من طاقة غاز مكبات النفايات بحلول عام 2020. وقعت شركة ابو ظبي الوطنية للطاقة (طاقة) ومركز إدارة ابو ظبي للنفايات مذكرة تفاهم لبناء محطة حرارية لتحويل النفايات إلى طاقة كهربائية بقدرة (100) ميغاواط بحلول العام (2015 – 2016) ومعالجة مليون طن من النفايات البلدية سنويا.كما تعتزم الشركة بناء محطة لتحويل النفايات إلى طاقة بكلفة (850) مليون دولار ، قادرةعلى توفير الطاقة الكهربائية بمقدار (100) ميغاواط، تكفي لسد إحتياجات أكثر من (20) ألف منزل، يتوقع تشغيلها في العام2017،كما ستساهم بالحد من إنبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بأكثر من مليون طن سنويا.
ويعتقد أن تكون هذه المحطة بعد إكتمالها أكبر محطة لتوليد الطاقة الكهربائية من النفايات في العالم. أنشأت الحكومة القطرية مركزا لإدارة النفايات الصلبة المحلية بتكلفة ( 2 ) مليار دولار. تم تصميم المركز بحيث يتم تحقيق أقصى قدر من استعادة الموارد والطاقة من النفايات عن طريق تثبيت تقنيات لفصلها، معالجتها وإعادة تدويرها، ومن ثم تحويل هذه النفايات إلى طاقة. من المتوقع أن يقلل المركز من كمية النفايات المحلية الي تدفن لتصل إلى ( 3%- 5% ) مما سيقلل من نسبة النفايات التي يتم التخلص منها بهذه الطريقة بشكل عام إلى(64 %- 92%). وفي البحرين يتم تطوير محطة حرارية قرب المنامة قادرة على معالجة (390) ألف طن من النفايات المنزلية سنويا، وتوليد (25) ميغاواط من القدرة الكهربائية التي ستغذي الشبكة الوطنية.
تنفذ أمانة عمان الأردنية حاليا مشروعا لتوليد الطاقة الكهربائية من النفايات ضمن مشروع إدارة النفايات الصلبة في عمان على مراحل ،بتمويل من البنك الدولي بقيمة (40) مليون دولار.
وتبذل دول عربية أخرى جهودا حثيثة لإنشاء محطات توليد الطاقة من النفايات بالتعاون مع الدول الأخرى التي قطعت شوطا مهما في هذا المجال، يؤمل أن ترى النور مشاريعها في المستقبل القريب. كما يتوقع أن تقوم معظم المدن الكبرى في العالم بحرق أكثر من نصف القمامة وتحويلها إلى وقود سائل أو وقود غازي لإستخلاص الطاقة، وذلك لقلة المساحات المخصصة للردم والكلفة العالية لنقل القمامة.