د. غيـلان / سيدني
كتبت تحت هذا العنوان ربما لمرتين سابقتين، الأولى في جريدة العالم والثانية في المستقبل العراقي وهذه الثالثة في بانوراما، كأن قوة ما ترشدني للكتابة تحت مظلته التي تحيلني إلى موجات سهلة الانسياب عميقة التواصل مع مكنوناتنا نحن العراقيين الذين ومنذ ولادتنا وبدء مشوار خساراتنا لم نجد ولن نجد الجدير بعتابنا وبصورة أدق من يُصغي لعتابنا، فالعرب الذين كان لهم العراق جسراً للفتوحات وللعلم وتلاقح الألسن، لم يمنحوا العراق والعراقيين غير صفاة السوء كـ "أهل الشقاق والنفاق" وفي حقيقة هذا الوصف ما كان يراد منه سكان العراق الأصليين بل يراد منه العرب الذين استوطنوا العراق بعد الفتح الإسلامي، لكن هذه الصفة استمرت لصيقة بنا، ورغم جعل العراق وبغداده عاصمة لهم إلا أنهم كانوا لا يتوانون من احصاء أنفاس العراقيين واستمر هذا الحال من يزيد بن معاوية وعبدالملك بن مروان وحتى وصول العباسيين إلى السلطة حيث أكملوا ما بدأه الأمويون في إحصاء المخبوء في وجدان العراقيين وصولاً إلى صدام حسين ومشروعه العروبي الذي قصم ظهر العراقيين وصنع خللاً في طرق تعاطيهم مع الوقائع.
واليوم لا يتوانى العرب ومنهم الجارة العربية السعودية بتصدير الموت إلى سكان هذه البلاد المتهمة إلى الأبد بالفجور، فهل تسمعنا الكويت مثلاً وهي تبلع بأراضينا وتحرمنا من إطلالتنا على البحر، لا أعتقد بأن الكويت لديها الوقت للأصغاء فهي بدلاً من ذلك تمنح سياسيينا المزيد من البخاشيش لقاء ما تبلع.
هل نعاتب جارتنا ايران ونبدأ عتابنا بلغة فارسية فنقول" أحوالي شما خوبي" وهل نبدأ من بابل التي دمرتها حجراً على حجر، أم من آشور التي دائماً تجهض ايران نهضتها بالسموم، أم نبدأ بالصفحة العربية في العراق، لا لا فمثل هذا العتب يُتعب آيات الله، دعونا نعاتب من راهن عراقي حتى الهواء فيه تم تعليبه ايرانياً، فنحن مستعمرة تستهلك الأنتاج الأيراني وتنفذ القرار الأيراني وتعالج أمراضها المزمنة عند طبيب أيراني وتتزاوج عند المأذون الأيراني وتلطم من أجل الأيراني، لا لا أيران مشغولة بالأتفاقات الضمنية وبالملف النووي ورسم خارطة المنطقة وليس لديها الوقت لسماع عتابنا البائس هذا.
وتركيا وأوردغانها لم تتحرر من الوهم العثماني حتى بعد الانقلاب العسكري ولا يمكن للسلطان أن يصغي إلى جماعات التعبانين من أمثالنا، من نعاتب إذن سياسيينا فيصرخ فينا أكثرنا جهالة..
وهل يُعاتب النذل، مالنا غير أن نعاتب أنفسنا على هذا التتابع المريب للخسارات "وليش المعاتب كلف"؟؟