نورالدين مدني/ سيدني
رغم الظروف الضاغطة والطاردة التي تدفع الناس للهجرة من أوطانهم يبقى حنينهم للوطن وللأهل مهما بعدت الأمكنة والأزمنة' ولأن الكاتب فنان تشكيلي إستطاع نقل لوحات حية معبرة عن هذا الحنين في كتابه"الحكايات الغميسة". ربط الكاتب بين كتاباته الغميسة - و"الغميسة" كلمة سودانية مرادفة لكلمة العميقة مضافاً إليها بعض الغموض - وبين حنين المخاليق إلى الأمكنة -و"المخاليق" تعبير سوداني عن البشر لأنهم خلق الله' و خص الكاتب "الديم" أحد الأحياء العريقة بالخرطوم بتحية خاصة في صدر الكتاب.
كما خص الحكاءة الكبيرة والقاصة الحجاية حبوبته ( ستة أو جدته ) الزلال بت ود حامد بتحية خاصة لانها غذته برصيد ثر من الحكي - و"الحجاية"مشتقة من النطق السوداني لـ الحكي - و"الحبوبة" تعبير سوداني حميم لـ الجدة.
للأسف لن أستعرض هنا الحكايات الغميسة الجميلة التي سردها لنا الكاتب وهي جميعها من الواقع السوداني والتراث الشعبي والأساطير المتداولة' مثل حكاية سلطان الداجو كسيفروك الذي طلب من المواطنين نقل جبل أم كردوس إلى الجبال ال٩٩ الأخرى!!
وكيف تخلص الاهالي بذكائهم الفطري من جبروته.
كما قلت لكم الكتاب يضم بين دفتيه حكايات كثيرة إسترجعها الكاتب من حكايات جدته الزلال ومن حكاياته الخاصة بتفاصيلها بحرفية فنية' منها حكايات الديم القديمة واسماعيل ود العاتي وحوا داوود ومامون التبيعة، وحكايات أخري معطونة بالحنين للناس وللأمكنة.
عندما تحدث عن ذكرياته في المدرسة وقف عند درس اللغة العربية وكيف أنه شعر براحة نفسية عندما درسهم أستاذ اللغة العربية قصيدة الشاعر السوداني التجاني يوسف بشير"سليل الفراديس" وبسعادة أكثر عندما غناها الفنان السوداني عثمان حسين.
يقول مؤلف الكتاب الفنان التشكيلي السوداني عماد عبدالله إن قصيدة سليل الفراديس التي خاطب فيها الشاعر نهر النيل لا تخلو من كلام غميس حيث يقول التجاني يوسف بشير فيها:
أنت يانيل ياسليل الفراديس
نبيل موفق في مسابك
ملء أوفاضك الجمال فمرحى
بالجلال المفيض من أنسابك
من حكاياته الخاصة الغنية بالدلالات والمعاني يقول: أذكر أبي وهو ينتعل "مركوبة" - أي يلبس حذاءه - ويهم بالخروج وأنا متعلق بطرف جلبابه أساله: أبوي إنت ماشي وين؟
فيجيبني بهذه الكلمات التامات التي كفتنا ضنك الحرمان وذل المسألة: باب الله كريم.
كما ذكرت من قبل لن أسرد لكم كل الحكايات الغميسة التي إستدعاها الكاتب التشكيلي عماد عبدالله ونقلها لنا بحرفية فنية عالية وكأنه يتونس معنا بلا محسنات بديعية' بلغة أحسنت الأديبة السودانية ميسون النجومي التعبير عنها في تقديمها للكتاب قائلة:
إنها لغة تجمع بين غماسة اللغة في دارجيتها الفصيحة وفصاحتها الدارجةالدارجةالمكتنزة بالدارجة.