سلمان النقاش /اديليد
هناك ميل او شبه تسليم بان المراة بشكل عام لم تستكمل بعد الحقوق الكاملة كانسان متكامل القدرات، على الرغم من التقدم الهائل الذي احرزته الحضارة الانسانية، سواء في التشريعات القانونية التي اتاحت لها المساهمة بشكل كامل في كافة اوجه النشاط الاجتماعي، او في ازاحة العقبات الثقافية التي تحيل دون هذه المساهمة، مع الاشارة والتذكير بان هذا الطرح انما يعني اخر ما توصلت اليه المجتمعات المتحضرة والمنتجة من مكانة ومساهمة للمراة في الشان العام، ويمكننا الاستدلال على ذلك من خلال مقارنة النسبة التي تشكلها المراة في العالم اليوم في مجالات السياسة والعلوم وعالم الاعمال وحتى في المجالات الفنية والرياضية والابداعية، وهي نسبة تكاد ان تكون متخلفة ازاء الطموح الذي تسعى اليه المنظمات الحقوقية، ومازال الحديث هنا يخص المراة في العالم المتحضر تحديدا، ففي تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية "المراة في العمل، الاتجاهات عام 2016" يشير هذا التقرير الى تحقيق حالات تحسن طفيفة منذ انعقاد المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة في بيجين عام 1995 ، ما ترك فجوات كبيرة يجب أن يشملها تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وهو الموعد الذي وضعته الامم المتحدة عام 2015 للقضاء نهائيا على الفوارق بين الجنسين وتحقيق المساواة. ولا تزال حالة عدم المساواة بين المرأة والرجل مستمرة في أسواق العمل العالمية، فيما يخص الفرص والمعاملة والنتائج، وخلال العقدين الأخيرين، لم يُترجَم التقدم الهام الذي أحرزته المرأة في الإنجازات التعليمية إلى تحسن مماثل في وضعها في العمل.
وهذا يؤشر الى فجوة تاريخية واضحة بين المجتمعات المتحضرة والمحتمعات المتخلفة في التعامل مع الانسان كطاقة انتاجية، او بعبارة اخرى الى الانسان باعتباره الاكثر الاهمية في خطوط الانتاج، لذا صار من الضروري تطوير قابلياته الذهنية والجسدية باتجاهات متعددة، فكلما تطورت قدرته الانتاجية استلزم ذلك ايضا تجديد حاجياته سواء اكان منها اساسيا او حاجات يفرضها اسلوب الحياة الجديد اي ذوقا استهلاكيا جديدا، وبهذا اصبح التعليم والتطور والبحث العلمي وسبر اغوار الفضاء والانتاج البيولوجي والجيولوجي، وما يرافقه من تطور في الثقافة والفن والرياضة عبارة عن مصانع استثمار لطاقة الانسان، فليس من المعقول بعد هذا ان تحدد قابليات المراة كانسان، بل زجت بما يشبه الارغام في حمى التحول نحو الانعتاق القسري ان صح التعبير بل لم تكتف المجتمعات المتحضرة باشعال جذوة انسانها بل انها شجعت على الهجرة وتوطين اناس ليسو من بلدانهم (بسبب الهجرة وفجوات التطور) لاستثمار انسانيتهم، لهذا نقول ان المراة في هذا المجتمع كفت او تكاد عن "المطالبة"، بل اصبح نضال المراة "المنافسة" والمزاحمة واثبات الجدارة والقدرة على ملء المتاح، وما الفجوة الظاهرة بين الرجل والمراة في المجتمعات المتقدمة الا شكل من اشكال التناقض والصراع الذي طبع هذه المرحلة اذ اخذت وتيرة او منحنى المنافسة بالتصاعد حتى بدأت تقترب بشكل واضح عن ازاحة كافة الفوارق، وللتذكير فقد افاد تقرير صدر عن سوق لندن بان عدد النساء اللاتي حققن ثروة واصبحن في عداد المليونيرات في العالم وصل الى اكثر من ثمانين الف امراة في بريطانية ما ادى الى ارتفاع نسبة النساء في قطاع الاعمال الى 40% ، ويذكر التقرير ان القرار الاستثماري الذي كان بيد الرجل بنسبة 90% لم يعد كذلك بل انخفضت النسبة كثيرا خلال العشر سنوات الماضية، وهذ ما يفسر الاصرار على اعتبار عام 2030 بعد تنفيذ خطة التنمية المستدامة من قبل الامم المتحدة عاما شاهدا على ازالة الفوارق بين الجنسين!!. مهلا هذا بالتاكيد لا يشمل العوالم المتخلفة، فكلما تحرك مؤشر التخلف هبوطا حتى يصل الى مجتمعات الاكثر تخلفا، سنجد ان التخلي عن الطاقة الانسانية لدى المرأة امرا طبيعيا وتلقائيا وربما يجري عن قصد او دراية متعمدة (نتيجة نمط توزيع الثروة)، كل هذا تحتمه طبيعة الانتاج المادي، لا بل ان هذا التخلي يصل الى درجة الانحطاط في المجتمعات التي تعتمد الريع الاقتصادي (تصدير سلعة اساسية واحدة) كالدول المصدرة للنفط طريقا واحدا في تلبية حاجياتها الاساسية، ويزداد الامر سوءا، عندما يتم اعتماد نمط الحكم المتبع في بلدان التقدم الحضاري "الديمقراطية" بمؤسساتها "شكلا" دون ان يكون لهذه المؤسسات دور فاعل في النشاط العام للمجتمع اضافة الى دورها السياسي والتشريعي، ودون ان تكون هذه المؤسسات محصلة او نتيجة او صور لمرحلة كانعكاس او انجاز حتمته ظروف العلاقات بين افراد المجتمع حنى تغدو هذه المؤسسات هي نفسها اهم عائق امام امكانية تخطي الازمات ومنها الازمة الاجتماعية واثرها على وضع المراة، ولربما تكون مصحوبة بالانتهاكات والعنف والتحقير ويصل في بعض الامكنة والازمنة الى درجة الاستعباد والاسترقاق، ولربما يصل الامر ان تكون هذه المؤسسات مجرد مساحات يتم السيطرة عليها من قبل القوى التي بامكانها قيادة المجتمع، ما يفسح المجال للثقافة المعتمدة على الموروث السلطوي (بحسب جذوره) ان يسيطر في المكان المناسب له تاريخيا، البادية او الريف او المدينة واي يتمكن من فرض سطوته على السلطة سيكون مادا لاذرعه ومجساته في كل اتجاه (كما يحدث هذا اليوم ليغداد اذ تحولت الى مركز ريفي كبير) ونظرا لعدم فاعلية الطبقة الوسطى كونها غير معنية بموضوعة الانتاج والتوزيع (الطلبة الموظفون واساتذة الجامعات واي وجه يبدو مدنيا) فان بعض المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الانسان تحاول بواسطة دعم بعض الناشطين ان تسبغ وجها مدنيا على هذه الطبقة التي عادة ما ينشط بها بعض الشباب والمثقفين، وعليه ليس غريبا ان نجد في مثل هذا المجتمع مناداة ومطالبات وباصوات عالية لحقوق المراة ووجوب مساواتها في الوقت نفسه التي يتم فيها مصادرة كل انسانيتها، من قبل كل الاطراف، السلطة، المعارضة، وجميع الاطراف المختلفة بما فيهم المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني، التي تشبه هذا المجتمع بكل صوره بما فيها الانحرافات كالفساد والتبعية، وربما تدافع هذه المنظمات نفسها عن القيم التي تؤخر امكانية نيل الحقوق، باقترابها بحسب الظروف من مراكز القوى الفاعلة.
ن ما يتعرض له الانسان بشكل عام في مناطق الصراع اليوم هو اعلى درجات الانتهاك الحقوقي بعد المرحلة الكولونيالية اذ يتم هذا الانتهاك من خلال الثقافة المحلية (الدين والقبيلة) التي استطالت وسادت نتيجة التطور المذهل في اساليب السوق والاستهلاك العالمي، ولنا ان نتصور انسانا نراه اليوم في هذه المناطق من العالم ونتسائل: أي حال تعيشها المراة هناك؟! اذن فان حرية المراة وحقوقها، لا تختلف كثيرا عن حرية الانسان بشكل عام ، فان ما تعانيه المراة ضمن النشاط الانساني العام وفي كل مكان على الارض انما هو الصراع والتناقض ضمن مستوى حضاري يرتفع الى حد معين في مجتمعات التحضر وينخفض الى درجة الحضيض في مجتمعات التخلف ، والامر بات واضحا ان دولة الرفاه الانساني هي الدولة التي تسنتهض كل الطاقات البشرية دون تمييز في الجنس او اي تمييز اخر.