نورالدين مدني/سيدني
عندما قررت الكتابة حول كتاب "إنهيار العولمة وإعادة إختراع العالم" الذي ألفه الفيلسوف والمؤرخ والكاتب السياسي الكندي جون رالستون وترجمه إلى العربية محمد الخولي قصدت إعادة قراءته مع واقع المتغيرات الدراماتيكية التي إجتاحت العالم في الواقع.
تناول الكتاب المتغيرات التأريخية التي أحدثت تحولات كبرى في تطور العالم مثل إنهيار إمبراطورية التجارة الحرة وفشل الأيدولوجيات الصماء في إستيعاب حاجة الإنسان للحرية والحياة الكريمة.
إقتبس الكاتب بذكاء مقولة توكشفيل حول الديمقراطية الأمريكية(1935م): هل يصح أن الديمقراطية التي قضت على النظام الإقطاعي وأزالت العروش وتيجانها يمكن أن تتراجع أمام التجار الرأسماليين؟.
نعلم أنه في مجال العلوم الإنسانية لايمكن تعميم مثل هذه الأحكام القطعية على مسار الشعوب والمجتمعات' لكن الواقع الماثل يؤكد صحة حسابات توكشفيل من خلال المتغيرت المتسارعة في كثير من بلدان العالم التي أحدثت خلخلة في الحراك السياسي الديمقراطي لصالح أصحاب النفوذ الإقتصادي والتجاري الذين لايهمهم سوى تغليب مصالحهم الخاصة دون إعتبار للمبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية.
هكذا تراجعت سلطة الدولة القطرية وأصبحت السلطة الحاكمة- من على البعد- للأسواق المعولمة وأن الإقتصاد- وليس الساسة والجيوش- هو الذي سيشكل الأحداث والمواقف في العالم من حولنا.
عندما يتوقف الكاتب عند مرحلة إنهيار الإتحاد السوفيتى باعتبارها مرحلة مفصلية في تأريخ العلاقات الدولية يشير إلى ظهور النزعات القومية السالبة في أسوأ صورها ويقول: إذا كانت الشيوعية تتحمل مسؤولية إنهيار الإنتاج والفاتيكان يتحمل مسؤولية قيام محاكم التفتيش فإن العولمة لابد ان تتحمل مسؤولية إنتشار العنف وتردي البيئة المحيطة بالبشر.
إذا ربطنا هذه القراءة بأطروحات جيرمي ريفكن خاصة في محاضرته عن الثورة الصناعية الثالثة يتأكد لنا أن العالم مقبل على تغيرات إقتصادية وتقنية كبرى ستسهم في إحداث نقلة نوعية في مجالات الإتصالات التقنية والطاقة والنقل الذي يمكن أن يحدث تطوراً هائلاً في كثير من مجالات الميسرة للإنسان.
مع ذلك يبقى التحدي الحقيقي الذي يجب أن تحسب له منذ الان هو السعي لتحقيق التوازن الضروري بين وعي المواطنين بحقوقهم وبين أطماع القوى الرأسمالية الحاكمة المستندة على سطوتها المادية القابضة والعمل بجدية لتحقيق تطلعات المواطنين في السلام والعدالة والحياة الحرة الكريمة في ظل تنامي سطوة أصحاب النفوذ الإقتصادي والتجاري.