عدنان الفضلي / بغداد
الناصرية مدينة حديثة قياساً بباقي المدن العراقية الأخرى، لكنها استمدت بعداً تاريخياً من الحضارة السومرية والمنبع الفكري المتمركز في مدينة اور الاثرية التي على بعد اميال قليلة من المدينة الحديثة (الناصرية) ، وهذه المدينة أسسها أمير قبائل المنتفق (ناصر الاشقر السعدون) بدايات القرن الثامن عشر، ومن ثم توسعت بعد ازدياد سكانها والانفتاح على مناطقها المحاذية للنهر العظيم (الفرات) ، حيث تم انشاء العديد من الاسواق فيها والتي مازالت باقية ويرتادها المتسوقون من جميع انحاء محافظة ذي قار ، ومن ابرز تلك الاسواق السوق الذي يسمى (القيصرية) وهذا السوق منقسم الى اكثر من (قيصرية) حيث تسمى كل قيصرية باسم المهنة الاكثر ممارسة فيها مثل (قيصرية القماشين) وهي اكبر القيصريات الموجودة في الناصرية حيث تمتد من شارع الحبوبي باتجاه شارع الكورنيش وتضم محلات عديدة لباعة القماش وباعة التبغ اضافة الى محلات اخرى متنوعة الاشتغالات.
ويقول الكاتب علي شبيب ورد " ان اهم باعة القماش في المدينة هم: سبتي مطير وحسن مجيد وسيد حسن نقي و عبد الجنابي وكاظم الشمخاني صاحب الصوت الشجي والذي جايل المطرب حضيري ابو عزيز الذي كان يعمل خياطا مع خاله (ابو علي) وغالبا ما يقيمون جلسات غناء (الونين) أي الانين.
والذي يعد توصلا لتراتيل واغاني السومريين، يشاركهم فيها ايضاً (جودي الخياط) و(مطر جازع) وبائع اللبن (المطرب خضير مفطورة) والمطرب (داخل حسن)".
اما القيصرية الاخرى فهي قيصرية الخياطين وهي قيصرية مجتزئة من قيصرية القماشين ومحصورة في مستطيل يطل على شارعين، وهي مختصة تماماً بمهنة الخياطة، حيث يمارس فيها الخياطون مهنهم منذ مئات السنين بعد ان توارثوا المهنة جيلاً بعد جيل ، وتقول المعلومة التاريخية عن هذه القيصرية تحديداً انها كانت تضم عدداً من الخانات احدها تعود لـ (آل رجب) وهناك خان اخر مشهور يعود لـ (آل ذياب). اما القيصريات الاخرى ذات الاشتغال الاقل حيوية فهي قيصرية كانت تسمى بـ (قيصرية الخواجة) فيها باعة التبغ وصانعو الحبال وشباك الصيد، ويقول عنها ورد " قيصرية هي طويلة نوعاً ما، وفيها مخازن لبيع الحبال وشباك الصيد.
وكانت مفتوحة ببابين متقابلين، الباب الاول يطل على القيصرية الرابعة (قيصرية الظلمة) وهي ذات مخازن قديمة جدا لليهود. وقد اهملت بعد هجرتهم عام 1948 وتحولت حاليا الى محلات وكانت مسقفة بجملون خشب وبواري، في حين كانت الاخريات مسقفات بالحديد و(الجينكو)، اما الباب الثاني فيطل على السيف، وفيه مقهى شهد نشاطاً ملحوظا لمؤسس الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف (فهد) آنذاك.
ومن اهم باعة التبغ في المدينة هم:
احمد الريس،
مكي عليوي ،
عودة مسير ،
عودة ناهي ،
محمد حسون.
والاخير هو الوكيل العام لاملاك (آل ذياب) وصاحب (فندق الناصرية) في شارع الجمهورية وكانت له علاقات وطيدة جداً مع ابرز الشخصيات الاجتماعية والسياسية فيما مضى.
ومنهم المرحوم الملا مصطفى البرزاني وذلك خلال فترة نفيه الى الناصرية لنشاطه السياسي، وقد لقي من صاحب الفندق اهتماما ورعاية خاصة خففت عنه اعباء الغربة والنفي ومن اصدقائه الحميمين ايضاً المرحوم (الزعيم عبدالكريم قاسم) وذلك عندما كان امر الانضباط العسكري في الناصرية، وكثيرا ما كان يروي حكاية طريفة عن الزعيم، وهي انه كثيرا ما كان يسبح في نهر الفرات ولكنه في احدى المرات تعرض لحادثة غرق، وانقذه منها (الاخرس)".
ومن اهم مميزات هذه القيصريات في الناصرية هو ان اغلب اصحاب محلاتها توارثوا المهن التي يمارسونها وكذلك المحلات، ولذلك فقد ترسخت الاسماء بذاكرة أهالي المدينة، وصارت العناوين سهلة في الاستدلال عليها ، لأنك ما ان تذكر اسم صاحب المحل حتى تعود بك الذاكرة الى اسم صاحب المحل الاصلي.