نورالدين مدني/سيدني
بعض الكتب تحتاج لإعادة قراءة لتكتشف ما لم تدركه عند القراءة الأولى، من بين هذه الكتب كتاب"عزاريل" للروائي يوسف زيدان الذي عندما قرأته للمرة الثانية شعرت وكأنني لم أقرأه من قبل.
لن أدخل بكم في تفاصيل الرواية التي قال مؤلفها أنه إستمدها من مجموعة اللفائف التي أُكتشفت قبل عشر سنوات - من تاريخ تاليف الكتاب بالطبع - بالخرابة الأثرية الممتدة لثلاث كيلومترات قريباً من حواف الطريق القديم الواصل بين حلب وأنطاكية. تتناول الرواية مسألة دينية شائكة ميدانها الكنيسة المسيحية تسببت في حدة الخلاف والعنف والقتل وسط المسيحيين أنفسهم، الأمر الذي يؤكد قدم الصراع الإنساني بين قوى الخير والشر في مختلف الحقب التأريخية ووسط كل الاديان والمعتقدات. أتوقف بكم عند هذه الفقرة التي نسبها المؤلف لعزاريل الذي هو إبليس- الوسواس الخناس-: المسيح مولود من بشر والبشر لايلدون الألهه.. المسيح معجزة ربانية إنسان ظهر لنا الله من خلاله. نقرأ معاً أيضاً هذه الفقرة: أجدادك يعتقدون في ثالوث إلهي زواياه إيزيس وإبنها حورس وزوجها أوزير.
أنتقل بكم خارج الرواية وأذكركم بمقولة الحلاج الأشهر: ما في الجبة إلا الله ولم يفهمه سدنة الدين وفعلوا به مافعلوا نتيجة لجهلهم بهذه العبارة الصوفية النورانية.
يقول المؤلف على لسان بطل الرواية الكاهن هيبا: أولئك الجهال أرادوا الخلاص من موروث القهر بالقهر وميراث الإضطهاد بالإضطهاد، ويمضي قائلاً: إبليس هو المحرك الرئيسي لكل ماجرى من قبل.. الأمر كله تبليس..
أعني إبليس شيطان السلطة الزمانية التي تغلب سكرتها الناس فينازوعون الرب في سلطانه.
لن أزعجكم بمشاهد القتل المفجعة التي تشبه تماماً مشاهد الجرائم الإرهابية التي يرتكبها بعض المحسوبين على الإسلام، إبتداء من قتل أب الكاهن بطل الرواية وليس إنتهاء بقتل المعلمة هيباتيا، فالواقع مشحون بمحاولات إقصاء الاخر وإعدامه من الحياة التي وهبنا الله إياها كي نعمرها دون أن ننسى زادنا للاخرة.
أنتقل بكم إلى إضاءات نورانية جاءت على لسان الكاهن نسطور الذي لم يسلم من أعداء الحياة والسلام والمحبة الذي قال: نحن ضعاف ولا قوة لنا إلا بالمحبة، وهو الذي شجع الكاهن الطبيب هيبا على طلب العلم عندما قال له: الناس تحتاج للطب فليحفظ الرب هذا العلم المفيد.
نقرأ أيضاً: بعد إنتهاء زمن الإضطهاد الوثني لأهل ديانتنا كان الدم المسيحي يراق بأيدي مسيحية: قتل الناس بإسم الدين لايجعله ديناً، إنها الدنيا.
لذلك لم يكن من المستغرب أن يختم الكاتب الرواية بدعوة الكاهن هيبالإستمرار أداء رسالته في الحياة: أكتب ياهيبا..
أكتب لتظل حياً حتى حين تموت في الموعد.
لذلك قال هيبا في ختام الرواية:
هاهو الرق الاخير مازال معظمه خالياً من الكتابة..
ربما ياتي بعدي من يملأها، سأغفوقليلاً ثم أصحوقبل الفجر ثم أرحل مع شروق الشمس حراً.