مجيد الدليمي/ سيدني
أسوأ الممارسات أن يتورط الإعلام أو رجل الاعلام جهلاً أو وعياً فيتبنى حالات سلوك فردية، ويحولها إلى قضية كبيرة تزعزع الثقة، وتمهّد للشروخ بين المجتمع، وتنشئ نوعاً من التباعد والقطيعة بين مؤسسة واخرى، وإنسان وآخر، وفضاء اجتماعي وثقافي وما يوازيه في مكان من الامكنة، وتتضخم الحالة وتكبر وتتسع إلى أن تأخذ بعداً يؤثر في العلاقات، وتنبت الحواجز المريبة التي تدفع المجتمعات أكلافاً باهظة الأثمان من أجل إزالتها، أو تجسير ما خلفته من أخاديد في نسيجها، ومعالجة تداعياتها وآثار ما خلفته من ندوب وتشوّهات في جسم العلاقات، وأحدثته من انهيارات نفسية، واغتيال للثقة، والحب، والتمازج بين المجتمعات التي تتحد كثيراً في الآمال، والآلام، والتوجهات، والأحلام، والطموحات، والغايات، وتسعى إلى تكامل تضامني في المواجهات ضد كل المعوقات، والهزائم، والمحبطات.
أن يتورط بعض الإعلام، تماماً كما يتورط الغوغاء في الشارع بشكل لا أخلاقي في النفخ بنار الفتنة، وتزييف الحقائق، وحرف كثير من القضايا المسلكية إلى دروب التشكيك الذي يفضي إلى العداوات والخصومات، وتبني قضايا مسلكية فردية تماماً لإسقاطها على علاقات وطنية بأخرى وقفت وتقف معها في السراء والضراء، وتعمل على تشويه تاريخ طويل ومبهر من التعاون على كل الصعد، وصناعة المصائر المشتركة، والعمل لعبور المنعطفات الحادة في مسار التاريخ السياسي والاقتصادي، وتجنب كل الألغام المزروعة في طريق التكامل والتفاهم، وتوحيد الصف والجهود ودفعها متضامنة في غايات واحدة، وأهداف نصرة القضايا الوطنية، وتحصين الإرث الوطني المعرفي، والحضاري، ومنجز التنمية، أن يكون هذا من بعض الإعلام وبعض الاعلاميين فذلك دليل على خواء فكري، وانحسار أخلاقي، وتخلٍ عن دور وواجب وطني يُفترض أن يتماهى مع التاريخ الحافل بالتعاون والدعم والوقوف كتلة واحدة في أزمنة كانت المصائر فيها مخيفة إلى حد الموت.
كنا ننتظر أن يكون العقل رائداً في قراءة، وتحليل، وتناول بعض الحالات الفردية، وأن تكون المصلحة العامة فوق كل الاعتبارات، والميول، والأهواء، وأن يكون الهم الاستشرافي لزمن قادم بالتباساته، وغموضه، ومخاضات ولادات سياسية واقتصادية، وتوجهات لم تتضح حتى الآن برامجها، ورؤاها، وأهدافها، أن يكون العقل هو المهيمن والمسيطر والمقونن لكل سلوك تعاملي مع الآخرين، غير أن واقع الأمر يشي بأننا لانزال نعيش بعقلية الستينيات حين كان الكذب، والدجل، والزيف، والتجني، وعهر الكلمة، ممارسات ضلّلت الإنسان ، وأطعمته الوهم، ومنحته العيش في سراب الوحدة، والانتصارات، والمحصلة كانت الانهيارات النفسية، والسقوط في أفخاخ الوهم، وسيادة الشعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" والمعركة عداوات وخصومات مع بعضنا البعض، وفساد أخلاقي ومالي وبنيوي في مفاصل الدولة، ومؤسساتها، وتفشي مثلث الفقر، والجهل، والمرض في جسم المجتمع، وغياب التنمية بشكل كامل على كل الصعد والمستويات، وما نتج بعد ذلك من أوجاع، وداءات، تحولت إلى معوقات قاتلة في مسيرة الأمة والوطن .
نحن الآن في بعض أعلامنا العربي والوطني بجهله، وسقوطه الأخلاقي يكرر المأساة، ومن لا يقرأ التاريخ محكوم بإعادة إنتاجه، وما رافق حالة بعض الاعلام العربي والوطني من صخب وضجيج إعلامي، واحتجاجات في الشارع، وكلام بذيء لا يقدم عليه إلا العالم السفلي، يمثل هذا السقوط، ولا نرغب في استدعاء التفاصيل فقد فندت، واتضحت الصورة لمن لديه الحس الوطني والعروبي، ويتحصن بالمسؤولية الأخلاقية الكاملة، ويحترم قدسية الكلمة، وشرف المهنة، أما من لديه هوى في نفسه فذاك شأنه.