شوقي العيسى/ ملبورن
في محور هذه المقال وددت مناقشة قضية شبابية في منتهى الموضوعية والخطورة ، الا وهي جيل الشباب العربي في المجتمعات الغربية وتعاملهم وتنشئتهم من قبل الجيل الاول كآبائهم الذين وصلوا الى الدول الغربية كلاجئين. وقد استندت في كتابة هذه المقال على استبيان اجريته على شريحة من جيل الشباب من اصول عراقية في المجتمع الاسترالي.
بطبيعة الحال ان الشباب الشريحة النموذجية في اي مجتمع لما فيهم من روح التفاعل والمثابرة والعنفوان ومرحلة الرجولة الفذة التي تنبع من صحة الابدان ، بالاضافة الى بناء الخطوات الاولى لمستقبل زاهر يخدم المجتمع ويلبي تطلعات جيل الاباء. كثيراً ما يتردد على اسماعنا "ان الشباب في ضياع وان جاذبية وانصهار شبابنا في المجتمع الغربي اسرع مما في مجتمعنا العربي".
وكيف تكون لنا هواجس وامتعاضات من تصرفات بعض الشباب الذين انزلقت اهواؤهم وتداعت امنياتهم في المجتمعات التي تولدوا فيها وتحدثوا لغتها. ملاحظاتنا حول صراع الاجيال الذين لهم طرقهم ونزواتهم وملذاتهم بل وحتى جلساتهم وبين الجيل السابق وهو جيل الاباء الذي نشأ وترعرع في مجتمعات عربية يحمل بطياته كافة مقومات وانطباعات تختلف عن المجتمع الغربي. ومن خلال هذا الصراع والضغوطات المجتمعية من قبل الجيل الاول ولد لدينا قضايا في منتهى الخطورة وهي تورط بعض الشباب في جرائم القتل والاغتصاب والسرقة والادمان على المخدرات وكثير من المخالفات والجرائم التي يعاقب عليها القانون وينبذها المجتمع، هذه من القضايا الخطيرة التي للاسف الشديد في بواطن مجتمعنا ، اما هناك نوع آخر من الصراع يولّد الخروج من البيت والاستقلالية وترك المدرسة والاهتمام بايجاد عمل بسيط يكسب قوت يومه أو الاعتكاف في البيت ضمن حالة نفسية واكتئاب حاد جداً.
كل تلك النتائج التي ظهرت لاشك ان هناك من ساعد على تنامي تلك الظواهر السلبية التي لا يمكن لنا ان نضع اللوم على شريحة الشباب فقط، لانهم ولدوا في مجتمع تختلف تقاليده عن المجتمعات العربية، بل يمكن لنا ان نلوم شريحة الاباء والمؤسسات المجتمعية والدينية العربية والاسلامية التي بالرغم من انها تقدم الكثير للجيل الاول من مراعاة واحتضان وجلسات وندوات وما الى ذلك من نشاطات يتمتع بها الجيل الاول، الا انها أهملت وساعدت على تنامي خلو تلك المؤسسات من شريحة الشباب. حيث أنه لم يقدم للشباب ما يطمحوا اليه من قبل مؤسسات الجيل الاول ولم يتحدثوا لغتهم ولم يشركوهم في نشاطاتهم، بل تكمن الامور ضراوة عندما يرتاد هؤلاء الشباب تلك الاماكن وتتم مضايقتهم.
ادناه بعض الاراء من خلال الاستبيان سوف ادرجه من دون اسماء حتى لا يكون حرجاً:
- تعامل الاهل معنا فقط اوامرمن دون معرفة اسباب الرفض او القبول باي مقترح.
- لا نرى اي احد في الجمعيات الاسلامية يهتم لنا ان حضرنا ام لم نحضر.
- لا توجد اي فقرات باللغة الانكليزية في المناسبات التي تقام خصوصا رجال الدين وهذا غير منصف.
- هناك من يضايقنا بالحسينيات عندما نتحدث بيننا وهم يتحدثون باعلى صوتهم وهذا ما اعتقده
- ينصحوننا ان لا نستخدم الموبايل في المسجد ونراهم يستخدمونه.
- لا اشعر بانني جزء من المجتمع لانهم لا يكترثوا ماهي متطلباتنا وماهي معاناتنا.
- ارى وجوههم دائما كئيبة وحتى في المناسبات المفرحة لا اراهم يفرحون لذلك اخاف على نفسي ان اكون مثلهم.
- الكلمات والخطابات فقط بالهجة العامية وانا لا اعرفها كثيراً لذلك اجد نفسي غريب.
- ينتقدون الشباب الذين انزلقوا ولا يوجد احد ينصحهم او يستقطبهم فنبذوهم فكيف ينتقدون المخطئء والتشهير به.
- مشغول بالعمل ولا ارى احد تفقدني لعدم حضوري فلماذا اكون منهم.
هذه نماذج مقتضبة من اجابات بعض الشباب حول تفاعلهم واندماجهم داخل مجتمع الجيل الاول، لذلك وحسب هذه المعطيات نرى ان مجتمعنا ساهم بشكل كبير في خسارة الشباب وان لم يكونوا قد ضاعوا فهم في طريقهم للخسارة. لذا فعلى مؤسساتنا المجتمعية والدينية ان تكثف مراعاتها لشريحة الشباب واعطائهم الدور الاكبر في تولي مهام اعتاد عليها الاباء.
يجب ان ننتبه الى الخطورة التي تحدق بشريحة الشباب خصوصا ونحن نواجه آفة الارهاب وان الشباب هم الشرائح المستهدفة لتنفيذ المخططات الارهابية الخبيثة. لا تجعلوا الشباب يعتكفون ويعتزلون المجتمع خوفا لاصابتهم بالاكتئاب او سيطرة الجماعات الارهابية على عقولهم وتغذيتهم بطريقة مقيتة. فالرجاء من المساجد والحسينيات والكنائس ودور العبادة ان يجلعوا الشباب يحبون أماكنهم كما يحبون مدارسهم، لا تكن أماكنكم كمراكز للشرطة تخيفهم وترهبهم وتتعاملون معهم على أنهم أسرى أو متهمين. لقد تطرقت في مقال سابق "المسلمون في الغرب.. استيطان ام معاناة" والتي استنتجنا من خلالها ان العزلة التي يعاني منها الشباب هي نتيجة لسخرية اقرانهم من الطلبة والاصدقاء في المجتمعات الغربية ووصفهم بانهم مسلمون وارهابيون.
فتكون نتيجة حتمية ان تكن هذه الشريحة ضحية وادوات يتم برمجتها بواسطة الخلايا الارهابية. لقد انتبهت المؤسسات والجمعيات في الآونة الاخيرة الى ضرورة التركيز على شريحة الشباب واستقطابهم وهي خطوة وان جاءت متأخرة الا انها في الطريق الصحيح، وقد كلفت شخصياً بالعمل مع مجموعة شبابية في احد المؤسسات ولكن التحديات وعزوف الشباب عن المجتمع تلقي بضلالها على نتائج ايجابية في الوقت الحاضر، فيجب ان تتكاتف الجهود لانجاح مشاريع تقوم بخدمة ورعاية الشباب في المجتمع. وليكن شعارنا وعملنا "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".