نورالدين مدني/سيدني
بعض الروايات الأدبية تخرج بالقراء من عالم الواقع المعاش إلى عالم مركب تتداخل فيه المشاهد والمواقف والأحداث لكنها تعود بهم إلى الواقع من جديد بل إلى داخل نفوسهم. رواية " الأشجار واقفة وإغتيال مرزوق" للروائي العبقري عبدالرحمن منيف تجبر القارئ على الإبحار مع شخوص الرواية،خاصة منصور عبدالسلام وإلياس نخلة اللذان إلتقيا في القطار ويستمتع معهما بتفاصيل حياتهما وهما يتحدثان عن قسوة الواقع في الوطن التي أجبرتهما على الخروج منه بحثاً عن واقع مختلف.
السرد الروائي لا يخلو من رمزية تربط بين الإنسان والأرض والأشجار والنساء في تجارب حميمة لا تكاد تكتمل حتى يهرب بطل الرواية منها إلى مغامرة أخرى، فتختلط الهلوسات بالوقائع الصغيرة والأحلام وأحياناً بالأكاذيب، تماماً كما يحدث في الواقع المعاش. لن أشغلكم بتفاصيل الحكي الذي أعترف بعجزي عن سرده لكم في هذه المساحة لكنني اتوقف عند بعض الجمل الموحية في اليوميات التي ختم بها منيف روايته.
*إقراوا معي هذا النص: "قرات في الجرائد التي أحضرها رجب الأسبوع الماضي أن حوادث شغب وقعت في الوطن، تقول الجرائد: إنتهت الحوادث بسرعة وسيطرت السلطات على الوضع" ولكم أن تحكموا بصراحة أليس هذا الخبر الذي نشرته الجرائد الأسبوع الماضي في زمن الرواية يجسد "حال" بعض الأخبار في بلادنا؟.
نتوقف مع حالة اخرى بعد أن ترك بطل الرواية مهنة التدريس لأنه لم يكن مقتنعاً بالمعلومات التي يدرسها من الكتب المدرسية، ولم يكتف بوظيفة المترجم في المناطق السياحية، بل أرادالمشاركة العملية في التنقيب عن الاثار ليافاجئنا في يومياته بقوله: حفرنا 6 أمتار تحت الرض ولم نجد شيئاً ذا قيمة!!.
فجأة يحدثنا بطل الرواية عن مقتل مرزوق وهو يقول: لم أنم الليلة الماضية لحظة قتلوا مرزوق. لا أحد يدري من قتله أوكيف قتل، قالوا وجد مقتولاً والسلام.. مرزوق الإنسان الذي ذرع أرض الوطن من الشمال إلى الجنوب من أجل أن يصبحوا حكاماً.. مرزوق الان ميت.
المشهد يزداد وضوحاً عندما يقول بطل الرواية: مرزوق ليس واحداً، مرزوق كل الناس، مرزوق شجرة، ينبوع.. إنه إلياس نخلة الذي لم يمت.
يختم عبدالرحمن منيف روايته العبقرية قائلاً: لم تعد الكلمات التي أكتبها تساعد على تحديد الأفكار بالدقة التي أريدها.. مرزوق لم يمت، الجرائد تكذب كثيراً هذه الأيام.