عبد الاله الصائغ- ميشغن
شاع في العقدين الماضيين سلوك بيروقراطي يمتح من جهل مستحكم في ثقافتنا العرب سلامية!
نحن مجتمع متطامن غير عاقل ونظن اننا أعقل الأمم وأكرمها وأشرفها واشجعها واذكاها!
ومن يقف ضد ما يشاع من سقط القول يلقَ اتهامات جاهزة بعضها التجهيل والتخوين والتعزير والتكفير!
قارن المتنبي العباسي: ومن جهلت نفسُه قدْرَهُ رأى غيرُه منه ما لا يرى.
نحن منذ وهلتنا الأولى مولعون بالإدعاءات ونحاول أن نكونَها مطمئنين ان لا أحد يجرؤ على نقدنا بله تقريعنا!
(بروفسور/ خبير ستراتيجي/ محلل سياسي/ رئيس معهد سلام/ كافل أيتام/ سياسي مخضرم/ مدير جامعة/ إعلامي كبير/ مبدع كبير/ رجل دين كبير/ أب روحي.. الخ).
وفي ذاكرتي امثلة عصية على العد ولكنني أنتقي منها الممكن! المتصل بثقافة القطيع!
الكم يضغط على النوع عند العرب منذ العصر الجاهلي فـ (دريد بن الصمة) فارس جشم وشاعرها وحكيمها وابن قبيلة غزية!
يقول انه من غزية وعليه ان يطيعها مخطئة أو راشدة:
وهل أنا إلا من غزيةَ إن غوت ْغويتُ وإن ترشد غزيةُ أرشد
وكلمة المجتمع ضاغطة، وسلطة الجماهير باطشة، ولذلك يحسب الفرد الف حساب قبل أن يفكر بنقد قناعات الناس
وتبيان الشطط في مسلكهم! وعندنا مواعظ غير حكيمة من نحو إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب!
وسأضع بين يدي القاريء الكريم أمثلة تركز على الفعل قبل الفاعل التقطتها من خلال المعايشة والتجربة لنستبين ان سكوتنا على الغلط تشجيع على تسلط الغلط!
نقول مثلا ان الخطر يطرق باب جاري فما شأني وشأنه؟
وقلما يخطر ببالنا ان الخطر مثل الوباء ان وصلت عداوه لجارك فهي واصلتك لا محالة ورحم الله من قال:
من حلقتْ لحيةُ جارٍ له فليسكبِ الماءَ على لحيته.
العرض (العموم) مثلا:
الحكام الذين يحكموننا دون مؤهلات سوى العمالة للاجنبي والكذب على الشعب والعزف على الوتر الطائفي وسرقة الحريات والمال العام!
هؤلاء الحكام لو حكموا الفرنسيين او البريطانيين كم سيصبر الفرنسيون او البريطانيون عليهم؟
(الخصوص) مثلاً:
في كل دول العالم هل يجرؤ ضابط نكرة برتبة صغيرة، فيكرم جنرالا ذا تاريخ وكتفه مثقل بالتيجان والنياشين!؟
في كل دول العالم العاقل هل يجرؤ حامل شهادة ثانوية محروم من المؤهلات على رياسة منظمة عالمية (كذا) فيمنح الشهادة الفخرية لشابة جذابة تكتب الشعر وهي تجهل الفرق بين الشعر والشعرية.
ثم يمنح شهادة إعلام عالمي مثلا لرجل موسوس يظن نفسه إعلاميا وهو خال البال تماما من علم! الاعلام!
هل ثمة مجتمع ينهد فيه رجل (حفيان كحيان) فيؤسس معهداً للدراسات العسكرية الستراتيجية فتستضيفه الصحف او الفضائيات اوالاذاعات فيتكلم واثق اللهجة ويحلل ويعلل ويؤول دون ان يرف له جفن او يستحي على نفسه كما يقال!
المهووس بيننا لايخشى كوابحنا!
قال لي صاحبي:
مرة خابرتني سيدة تجيد العلاقات العامة، وقالت لي دون مقدمات دكتور حصلتُ على تمويل مالي (مبلغ كبير مثير) من فلان الفلاني وسوف أعقد مؤتمراً كبيراً في العراق، لتكريم الكفاءات العراقية وقر رأي اللجنة الأكاديمية التي اشرف عليها أن تمنحك شهادة ملك الشعراء!
قال صاحبي قلت لها وانا أقهقه (ملك الشعراء) مرة واحدة؟
وأحمد شوقي العظيم (أمير الشعراء) ياللهول!؟ فاعتذرتُ لها.
قال صاحبي لها بلهجة جازمة صارمة، وربما قاسية إياك أن تلعبي معي هذه اللعبة.
فقالت نحن قررنا وليس شرطاً أن نخبر من نكرمه!
فقال لها صاحبي:
اقسم بالله ثلاثاً انني سوف أفضحكم وأصدر بيانا أهتك فيه هذه التصرفات الصبيانية فتعكر مزاجها وشكرته واقفلت التلفون.
وتابع صاحبي مؤتمرها (مدفوع الثمن) في بغداد فهتف لنفسه:
لهفي عليك ايها الإبداع العراقي فقد حضر طابور من الشعراء والفنانين بعضهم كبار السن وهم فرحون وتسلموا الشهادات الورقية من مؤسسة غربية!
ورجل آخر يحمل يزعم انه يحمل دكتوراه يؤسس جامعة مفتوحة تمنح بكالوريوس وماجستير ودكتوراه لمن يدفع وشكل لجامعته الوهمية مجلس جامعة من نكرات!!
وليس لديه مقر سوى البيسمنت (السرداب) وجهاز حاسوب لابتوب (محمول) ويتدافع الدكاترة ليسجلوا اسماءهم في جامعته الفضائية ويتسابق الطلبة يدفعون الاقساط كي يحصلوا على الشهادة وهي ورقة معمولة بالفوتوشوب وعليها لوغو (شعار) الجامعة الوهمية وجملة من التواقيع بالأحمر والأخضر والأزرق وليس ثمة حسيب ولا رقيب!
وشعرور ثري وذكي معا يصدر كل ثلاثة اشهر كتابا انيقا ومن دار نشر معروفة ثم يكلف بعضا ممن يضع ( د ) أمام اسمه كي يصنع فيه كتاباً نقدياً!
مرة التقيته وسط شعارير مثله وكلمني عاتبا (دكتور لماذا لم تكتب عني لحد الآن!).
فأجبته (الايكفيك ان عدد من كتب عنك يحاكي عدد من كتب عن المتنبي العظيم)!!
والسؤال إلى اين ستمضي بنا هذه الكفاءات غير الكفوءة والجهالات النشطة وكيف سمحنا للموسوسين ان يمسكوا الثقافة من تلابيبها ونحن نوحد بين الرغيف والثقافة بين الشرف والثقافة!
اما الدين ومن يتلبس بلبوسه فالحديث طويل ويطول ويستغرق ذلك لوحده عمودا صحفيا (!!) وخلاصة القول أو القضية:
متى نقول (لا) أو (كلا) للجهل النشيط والخرافة المتغولة في مجتمعاتنا؟
متى وكيف نتحرر من ثقافة القطيع؟
القطيع الذي يرى قطيعية ثقافته حضارةً لاريب فيها!
فليرحم الله نزار القباني:
خلاصةُ القضيّهْ توجزُ في عبارهْ
لقد لبسنا قشرةَ الحضارهْ والروحُ جاهليّهْ.