- التجريد هو الهروب او التخلص من الواقع وهو يعطيك مساحة اكبر للتعبير
- سعيدة جدا بما أنجبت تارة قصيدة واُخرى لوحة
- أواجه القبح في كتاباتي ومحاولاتي الفنية التشكيلية
- نصب جواد سليم فيه الثورة والانتصار والحرية وهو ظلا لمحبي السلام والحرية
حاورها: فهد الصكر
بين العراق وألمانيا ثمة غربة ومنفى، ووجع عراقي بأمتياز، وبينهما هناك قصيدة ولون مشترك الهوى، وديوان شعر لا يبعدها عن دجلة، بل هي وحي جغرافية العراق، روحا وقلبا ودموع.
وفاء الربيعي غادرت العراق منذ أكثر من ثلاث عقود، حين شعرت بأن هناك من يحضى أدنى سكناتها، وسلطة الدكتاتور المقبور كانت هي الرقيب والمهمش لكل مثقف يحمل هم العراق، ويناضل من أجل الأنعتاق من عبودية "الفرد" المتمثلة برسم "الطاغوت".
عبرت الحدود وظل دفترها اليومي هو من يرافقها كذكرى في ملاذات الغربة والمنفى والحنين. لا أكتب أكثر وفي حواري معها محطات اخرى ستكون هي من يبطق بها.
- من أي العوالم تشكل حضور وإيقاع لوحتك الأولى، لتؤشر فيما بعد بصمة الفنانة وفاء؟
- للطبيعة إيقاع وتأثير كبير علي، لكني في خطواتي الاولى نحو التشكيل ما زلت في مرحلة التجريب وما زلت افتقد لتقنياته، فأنا أحب الرسم منذ طفولتي وتكونت عندي اللوحة في الفترة الاخيرة بشكل فطري.
- كيف تبررين غياب معاني السحر ونضارة الانوثة التي تكمل وتجمل عالم المرأة عن لوحات بعض الفنانات وكذلك الفنانين؟
- الوضع المأساوي الذي نعيشه من حروب وحصارو قتل وموت وتجهيل متعمد لخارجين عن القانون وصعوبة العيش، عدم وجود الأمان والاستقرار النفسي، كلها أشياء أنستنا الجمال والرومانسية انا متأكدة بان كل الفنانات والفنانينً لهم لوحات تناولت هذا الموضوع لكن للاسباب التي ذكرتها تبقى تلك الاعمال خلف الستار. ربما هي الخشية ذاتها التي تعاود الفنان في حضوره العلني.
- نلمس جمال الطبيعة في الكثير من أعمالك، ما سر هذه الحالة، وهل لها علاقة بقصائدك وأنت الشاعرة ايضا؟
-يأسرني جمال الطبيعة، أقف ساعات أتأمل روعتها تدمع عيني في أحايين كثيرة من فرحتي بجمالها، ولكل مكان منها وقع في الروح، عندما اكون في بغداد لايحلو لي فيها غير دجلة، وفي بابل بساتينها وفي هيت بغداديتها وفي البصرة شط العرب وفي الشمال شلالاته وفي المانيا المساحات الواسعة الخضراء بدرجات الأخضر المتفاوتة والغابات السوداء والراين، نخل العراق وأشجار البرتقال هناك وأشجار التفاح التي تملأ شوارع وحدائق المانيا هنا، عندما اكون في العراق وارجع الى المانيا تنتابني الكآبة ولكني الوم نفسي وأقول لماذا الانسان ناكر للجميل فالجنة حولي هنا وهذة هبة أستعين بها في غربتي لذلك كان لها الأثر الجميل في قصائدي ولوحاتي المتواضعة.
- هل يعتبر التجريد، بوح لهذيانات داخلية تحترق في مخيلة الفنان- الفنانة؟
- التجريد هو الهروب او التخلص من الواقع وهو يعطيك مساحة اكبر للتعبير، في أحاين كثيرة يولد الموضوع خلال مزجك للألوان فهذه الهذيانات التي تقصدها وما ينتج عنها هي شبيه بالاعمال الموسيقية التي يعبر عنها الموسيقي، فاستخدام اللون والخطوط والدوائر في اللوحة التجريدية هي مثل الأنغام الموسيقية المعبرة عن هذيان العازف ولكني لم انجح بعد للوصول الى هذه المرحلة قد يكون سبب ذلك هو حبي للواقعية.
- كيف تنظرين الى المشهد التشكيلي العراقي بعد العام 2003؟
- كل شيء في العراق بعد 2003 في حالة فوضى ولا توجد رؤى واضحة للمشهد العراقي على كل الاصعدة، الفنانون موجوين، والأعمال الفنية التشكيلية كثيرة، وتأثير الواقع العراقي واضح على هذه الاعمال، ولكن ليس هناك اهتمام من قبل الدولة، الفن او الفنون الاخرى فلم اسمع مثلا انه هناك مخصصات في ميزانية وزارة الثقافة ولا توجد فرص لتسويق اعمال الرسامين وهذا كله بسبب غياب الوعي الفني والثقافي الذي يعطي للعمل الفني حقه وقدره.
- أية مشاعر تجتاحك وتقتحم مشاعرك وأنت أزاء سطح اللوحة كما وأنت أمام ورقة بيضاء؟
- عندما اكملت لوحة "الكرويتة" وابتعدت الى الوراء لأراها من بعيد جلست على الكرسي وبكيت كثيراً لأَنِّي حينها تذكرت أمي التي كانت ترسم لنا شراشف العيد لنقوم نحن بتطريزها ورأيت ابي المتعب بيده سيكارته يتصاعد شخيره شيئا فشيء وكثير من الأحيان تلذعه حرارة السيجارة، شعور جميل وانت تنجب لوحة أو قصيدة وانا سعيدة جدا بما أنجبت تارة قصيدة واُخرى لوحة رغم اني ما زلت في بداية الطريق رغم سيري باتجاه الستين من العمر، اعبر عن هذياني مرة بالكلمات ومرة بالالوان.
- هل يرسم الفنان لوجود ما، لخراب ما، أم لمجابهة القبح مثلا؟
- حاولت عدة مرات ان ارسم الدم لم استطع ذلك قلت مع نفسي في عالمنا الواقعي الدماء تملأ الشوارع والبحار فلماذا أزيد دما على هذه الدماء أليس من الأفضل ان نرسم الجمال لندخل الفرحة الى النفوس المتعبة انا أواجه القبح في كتاباتي ومحاولاتي الفنية التشكيلية.
- هل تتشكل لديك قناعة كفنانة تشكيلية بوجود مدرسة نقدية عراقية خالصة؟
- لم أجد هناك مدرسة نقدية خالصة تشكلت لمفهوم التشكيل، لكن هناك محاولات وقراءت يطلق عليها "نقد" وهي تقترب الى حد ما من عتبة النقد، هي قراءات أحسبها في مستوى العموم وليس التحديد.
- الازمات والحروب والكوارث التي اجتاحت اوربا انعكست على حركاتها الادبية والفنية واطلقت ثورات وتغيرات عدة في هذا النحو، هل ترين ان اللوحة العراقية حققت ثورة بعد ان مر العراق بأزمات مشابهة تقريبا؟
- نعم ففي عصر النهضة الاوربية حصلت تغييرات كبيرة في كل مجالات الحياة وحصل توسع جغرافي واعتبروا ان الغرب هي المركز الحضاري للعالم وقد برز فنانون كبار وكان للوحاتهم صداها الفني في التعبير عن ذلك، ولا نستطيع ان نقارن هنا بين ماحصل في اوربا وما ترتب عليه وبين مايحصل في العراق فالعراق مر ويمر بوضع ليس له شبيه وهو من سيء الى اسوء ليس بمقدورنا الان ان نقول بان اللوحة العراقية قد حققت ثورة هناك فنانين تشكيلين كبار، وربما البعض كان قريبا من التغيير والتعبير عنه، والآخر ربما يحتاج الى مرحلة أخرى كي يعبر من منظور واضح ومؤثر، ولكن اين الاهتمام بمنجزهم ،اين هي الثقافة والوعي الذي يبحث ويتناول هذه المنجزات ويوصلها للعالم.
- ما رأيك بالواقعية السحرية، وهل عملت عليها؟
- هذا المصطلح استخدمه الالماني "فرانز" عندما تحدث عن خصائص الرسم الالماني وهو يعبر عن نوع الرسم القريب من السوريالية باستخدام اشكال غريبة قريبة للحلم، والواقعية السحرية شاع استخدامها في القصة كأدب سردي، فالقاص يرسم تفاصيل قصته ببساطة والفة كما في كتاب "الرمل" لبورخيس وكتاب اخرين ولكنه بذات الوقت يعبر عن فكرة او عدة افكار، فالواقعية السحرية هي حكايات، قصص، مشاعر، احاسيس، تراث، احلام، اشعار وهذا ما احبه انا واعتقد ان سؤالك لم يكن عفويا فانت مطلع وتعرف اسلوبي بالكتابة ومحاولات الرسم.
- كيف تقرأين نصب الحرية لجواد سليم تشكيليا؟
- ابداع الفنان جواد سليم جمع الحاضر والماضي في هذا النصب تاريخ العراق وفيه حاضره ،فيه الثورة وفيه الانتصار والحرية وها هو الان ظلا لمحبي السلام والحرية، هو الشاخص الذي نجد فيه أمتداد لأروع حضارة شهدها العالم منذ البعيد، أزعم أن سيظل ذاكرة مكان ورؤيا خالدة في الذاكرة الجمعية للعراقيين.