حاورها – فهد الصكر
من على منصة الشعر، يتناثر بوحها أنتماء وهوية لتفاصيل تدرك أنها جزء من هواجسه، تذوب فيه حد النقاء، وتسمو، أنه العراق في محنته. تغرق في عاطفته وجدا، ودعاء.. وتراتيل صباح لا تريده أن يغفو، كي تظل مشتعلة كشمعة أزلية البقاء.
وفي دروب الثقافة هي ملاذ حضور وإيقاع صوت فيه، تخطو بثقة تحسد عليها، وقد أشاد بها النقد دون مجاملة، وعلى صفحات الثقافة في صحفنا اليومية تريد أن تقول "نعم للمعنى في ظل الهذيان وقد صار طاغيا". الآن وقد أعلنت على ولادة منجزها الشعري الأول ولديها ما هو أكثر من، نوقد معها شمعة للموسوم " أحياء في مقبرة".
كتب الناقد المبدع القريشي ناظم عنها: ان الشاعرة ترسم جمال بغداد من خلال جمال عيون ورقّة المرأة البغدادية في ربيعها الجميل.
وما تعانيه العيون يصل حد الشعور بالافتتان وتجسيد هذا الشعور في الكلمات بقصديه. ان هذا الشعور يساهم في رسم أفق لشاعرية الشاعرة وبراعتها بالعودة الى الطبيعة التي انطلق منها الشعر بغنائيته الرائعة: فهي تدون كلماتها لتوقف تدفق الموت الى الحياة، وهذا خلق لديها الشغف في البحث عن مفردات تمكنها في خلق وابتكار نصها الشعري، وجعله على شكل دفقات كالموجات وهي تقبل الضفاف، فكان متميزاً ومتفرداً بجمالها كتميز الأفكار والرؤى المتعددة. وقد حاولت الشاعرة المزج بين أصوات الكلمات كإيقاعات شعرية، وبين رسم الصور كلوحات تجسد الفكرة بقصديه التكامل أو التوحد الذي ينشأ بينها، بفعل التناغم والتآلف، وصولاً الى ما يستنفر الأعماق ويهزها لدى المتلقي:
- كيف يستطيع الشاعر- الشاعرة أن يتّق شراسة المصافحة الأولى مع النص لحظة الكتابة، أو لحظة أشتعاله؟
- هي وحي قداس، وخشوع ورهبة كما لو أدخل محراب لأول مرة، أقف مندهشة أمام الكلمة – مفردة الشعر، تتصارع في داخلي صراخ موسيقى، حاولت في بدايتها جاهدة أن أطاوعها، بل توسلتها أن تكون رفيقتي وهي تعبر عن أول أحساس صافح كياني، القصيدة الأولى أنتصرت علّي، لكنها أصبحت توأمي فيما بعد.
- هل تعتقدين أن من خصوصيات الشعر أن يبقى وفيا للواقع دون أن يتخذ قسوة في القرار؟
- لا يمكن للشاعر أن ينفك عن واقعه أبدا، بل العكس هو لصيق وجعه، والمقترب حقا لهمومه، وهو المدّون لكل تفاصيله، والتي قد تدرس فيما بعد كواقع توثيقي، والشاعر لا حدود لخصوصيته سيما ونحن ندرك جغرافيته التي تتجاوز حدود واقعه، بل تذهب أبعد من ذلك حين تناصر الوجع في واقع أخر، ولذا من الوفاء وهذا ما يحمله الشاعر أن يؤكد هذه الخصوصية العالية ثراء، وفي كل قصائدي ، هناك توحد مع الوجع العراقي، هناك ذوبان حد الوله مع كل تفاصيل العراق.
- هل يمكن أن يكون الشاعر والمثقف عموما فاعلا في المجتمع ويساهم في التغيير؟
- نعم المثقف والشاعر العمل في فضاءات الثقافة وتمفصلاتها الاخرى ، ما جدوى وجوده أن لم يكن فاعلا ومحركا ومحرضا في تغيير المجتمع، ومساهما في رسم صورة مستقبله، وبناء أمله، الشاعر هو الأقرب أحساسا في تناول ما يحيط بالمجتمع من مخاطر وهموم، بل هو يجمّل الخطاب تنويريا في سبيل ونحو مجتمع متقدم وواعي ومتطور.
- ما بين الكتابة الشعرية والنصوص السردية هناك حدود، ما هي خصوصية هذين العالمين في تجربتك؟
- لكل تجربة نصية ما تمتلك من وحي خصوصيتها، وحين يكون للشعر مبادىء ولغة، كذلك للنص السردي مكنونات أزعم أنها تختلف عن لغة ومبادىء الشعر. ويظل النص السردي هو السرد عن الأحداث ونقلها باستعمال اللغة أو التصوير أو غيرها من وسائل التعبير، ويظل التمييز بين بعض المفاهيم المتداخلة في عملية السرد، كمفاهيم الكاتب عن حدث وقع في بدايتها، أو الكيفية التي يخرج به زمن الحكاية سردا او شعرا .
- ما هو "الشعر المطلق"، وهل هو مجرد رؤية أو نظرية أم أصبح الشعر المطلق موجودا فعلياً؟
- أدرك ان الشعر ليس هو الوجود، أو وحدة علائقه، وأزعم أن الشعر هو من يحقق الأدراك الواعي للمتلقي على مستويات ترتاتبيةالأختلاف في الرؤيا وتحسس الأشياء، وعليه أن يتحرر من شوائبه متماثلا بالنقاء، كذلك المطلق. وأجده حاضرا في كل صوت يمتلك تلك المجسات العالية في تكامل نظريته.
- أود أن أسألك أولا عن طبيعتك مع الحوار الصحافي. كيف تعاملت طوال مسارك الشعري والأدبي مع الذين يطلبون منك إجراء لقاءات إعلامية حول شعرك ومواقفك؟
- أزعم أن الكثير من الحوارات هي مثال تسليط الضوء على المنجز الأدبي، أو الشعري في متغير الأحداث، ولذا أجد في الحوارات فرصة لطرح ما أملك من أفكار أطمح للوصول اليها من خلال مدوناتي الشعرية، ورسم لوحة كبيرة وواضحة للمشهد الثقافي تدلل على بصمتي في هذا المجال، وهنا أزعم ثانية أنني قريبة الذات من من يحاورني.
- كيف تنظرين الى هذا الحوار باعتباره نصا موازيا لقصيدتك؟
-الشاعر بطبعه يمتلك ما هو جميل ومغاير لغة، ولديه خزين من المفردات التي تشبه الى حد كبير بناء قصيدة، أو سرد شعري، فلما لا يكون أو تكون الأجابة على أسئلة المحاور قريبة أو موازية للقصيدة، وهي تكون محط أهتمام للمتلقي، كي لا تدخل الملل اليه وهو يريد أن يطلع على وعي الشاعر والمثقف، بل يؤكد وعيا جديدا في منظر الحوارات تحت ظل عصر الصحافة وأثارتها اليومية.
- هناك ظواهر وفئات تقف عائقاً أمام نشر إبداع الشواعر، ونجد بعض دور النشر تتخوف من طباعته، السؤال ما هي تلك الظواهر وهل خشيتها تتركز على عدم ثقتها بما تكتبه المرأة - الشاعرة؟
- بل هي كثيرة، لكن هذا لا يمنع الشواعر من البوح شعرا والصداح به من على منصة المهرجان أو الرابطة الأدبية وهي تعني بالمنجز بعيدا عن الجنس الأنساني، لكني وجدت العكس بعد أن أميط اللثام بعد العام 2003 ، وقد كان الشعر مقيدا سواء للمرأة أم للرجل، وكان المنجز والأثر هو الذي أقتحم حتى دور النشر ليصبح ظاهرة صحية لها أبعادها الثقافية وبصمتها الواضحة بأمتياز، وصارت ثقة القصيدة أكثر تمسكا بالشواعر، وهذا مجاز أقرب الى الحقيقة.
- ما هو تقييمك لمشهد الثقافة العراقية مع مساحة البوح في ظل الحرية المتاحة للجميع؟
- اني اشبه الادب العراقي الحالي ببركان جثمت على فمه " دكتاتورية " تراقب أدنى السكنات، وكان المنجز الثقافي يتعرض الى مشرحة الرقيب وهو لا يدرك مفازاته، وأمتد ذلك لعقود، لكن وبعد العام 2003 صارت الكتابة عشوائية المعنى وقد أستسهلها البعض من كلا الجنسين، وكان هناك من كتب بعد أن كان اخرسا وهناك من أخرس بعد أن كان ناطقا، هنا أشير الى مدونات شكلت جمال لغتها بعد أنزياح الرقيب، وتشكلت الكثير من الكتابات التي تشير الى بصمة مغايرة. أدرك اننا بفترة انتقالية من البوح الى درجة التخمة.. سرعان ماستنتهي لتصبح لكل كلمة تكتب هدف وأثرلا يبقى منه سوى المتجدد والناضح والحقيقي.