من بلاد الثلج الى بلاد الشمس..
رحلة ثقافية تجول في طقوس الابداع في دار الاغتراب
عاشقة الطفولة والادب والفن
زارت الاديبة بلقيس الربيعي القادمة من بلاد الثلج ” السويد“ مكتب جريدة بانوراما في سيدني وكان في استقبالها السيدة وداد فرحان رئيسة تحرير صحيفة بانوراما وعدد من أعضاء أسرة التحرير. ورافق الأديبة في زيارتها شقيقها الفنان الموسيقار عماد رحيم.
وفي احتفاء مهيب بالأديبة الضيفة فتحت ابواب الدردشة في عدد من الجوانب الحياتية والادبية التي شهدتها صفحات حياة الاديبة الربيعي، مرورا بالظروف العصيبة التي واجهتها وهي العاشقة الابدية للشهيد زوجها المناضل الطبيب ”ابا ظفر“.
وعن معاناتها الخاصة في ادامة مشروعها الانساني الذي بدأت به منذ سنوات وهو ”مساعدة الاطفال اليتامى والمعاقين في العراق“ والذي تعتمد في تمويله على الريع الذي تحصل عليه من بيعها لإصداراتها الادبية، ومشغولات يدوية من صنعها ولوحات ترسمها من أجل رسم البسمة المنهوبة من وجوه اطفال العراق وطفولتهم المغتصبة في ظل ظروف معيشية قاسية.
تحمل بين جوانحها عتبا مرا تود ايصاله الى الجهات المعنية من خلال هذه الدردشة البانورامية فتقول:
بداية، شكرا على كرم الضيافة وحسن الاستقبال، وانا سعيدة بما اشاهد وكان تكوينة العراق قد حطت رحالها هنا مجتمعة بكل الوانه واطيافه بحياة هادئة يسودها الحب والتعاون، واشعر بالعلاقات الدافئة بين ابناء العراق الواحد في ابعد بقعة ارضية في العالم، فخورة بهذا الكم الهائل من النشاطات العراقية في عموم استراليا وسيدني تحديدا، وكما يقال ان ”استراليا بلد الاحلام“ نتمنى ان يمد الله في اعمارنا لنشهد نهضة العراق الجديد خال من القتل والدم ومعافى من الطائفية والعنصرية.
وبودي ان اوجه عتبا شديدا الى الحكومة العراقية لتقصيرها في محاولة جمع ابناء البلد الواحد من خلال العمل على استتباب الامن والطمأنينة للشعب بعد القضاء على جيوب الارهاب الذي فعل فعلته، ولنعمل معا على الحفاظ على نسيج وموزائيك اللحمة العراقية التي لاتشبه اي لحمة اخرى في كل بلاد الدنيا.
واعتب على وزارة الثقافة العراقية وخاصة بعد وعد الدعم الذي قطعوه لنا لدعم مشروعنا الانساني لرسم البسمة على وجه الطفولة العراقية المنكوبة عن طريق طباعة اصداراتنا الثقافية والتبرع بريع بيعها لمساعدة المؤسسات القائمة على تقديم الخدمات لأطفالنا اليتامى والمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة.
عن رحلتها الحياتية وبداياتها قالت:
بدأت في بلدي العراق ولم اكن حينها كاتبة او شاعرة، لذا لم يكن للعراق أي دور في تطوير إمكانياتي الأدبية، لا في مجال الكتابة ولا في مجال الترجمة أو الصحافة، ولكن عندما تغربت الى اليمن وتحديدا مدينة عدن وجدت نفسي، وعملت على تطوير امكانياتي واجتهدت، واستطعت ان احقق ذاتي وثقتي بقدراتي الادبية والفنية. وربما كان للصدفة والعمل خير وليف لبداية المشوار الصعب في المجال الثقافي. في الاغتراب شعرت بنضوج في حياتي، لقد عشت في اليمن الخالي من اي من وسائل الاتصال أو الترفيه، ما عدا جهاز الراديو، الذي كان من الصعب الحصول على المحطات الإذاعية، ما عدا محطة (مونتي كارلو) بين الحين والآخر.
ومن هناك بدأت إمكانياتي تتطور، وكنت أتردد دائماً على المركز الثقافي السوفيتي في عدن، وأستعير منهم بعض الكتب والمجلات، وبدأت بالترجمة والكتابة إلى مجموعة من الصحف مثل:
- صحيفة 14 إكتوبر،
- صحيفة قضايا العصر،
- صحيفة الثوري،
- مجلة فنون.
كنت أكتب عن الفن وعن المطبخ، وأشارك أيضاً في نشاطات اتحاد نساء اليمن، وجمعية رعاية الأسرة، وأكتب لهم بعض الحوارات والنصائح للمرأة عن الحياة الاجتماعية والامومة ورعاية الطفل.
- ساعدتها الترجمة على تطوير إمكانياتها الأدبية، وخاصة بعد ان ترجمت قصة (بوبو الطيب)، التي تقدم نصائح للطفل، عن الثمن المرتجى من تقديم المساعدة للآخرين.
- تجيد صناعة الأعمال اليدوية وفن الرسم والنقش على القماش وأعمال السيراميك البارد، وأقامت في هذا المجال أربعة عشر معرضاً في اليمن وألمانيا والسويد، ما بين سنوات (1990 – 2015)، وتميزت جل معارضها بصبغة خيرية خاصة، في مساعدة الاطفال الأيتام.
تتذكر وبحسرة والم تقول بلقيس:
بعد سقوط النظام في العراق 2003 ، زارني هاجس الامل وحدثت نفسي بأمنية العثور على رفيق الروح في غياهب السجون المظلمة، لربما اجده في مكان ما ولكن اسفا ظل قابعا في حنايا روحي، مسكنه الدائم وتيقنت من استشهاد زوجي الطبيب ”ابا ظفر“ على يد جلاوزة العبث والاستهتار بمصائر الناس.
عندها بدأت بكتابة القصة القصيرة، التي تتحدث عني وعن واقع كل النساء وخاصة العراقيات، وتستند إلى الواقع وتخلو من الفنتازيا، وتحكي المعاناة والمتاعب التي مرت بها المرأة العراقية، وكل قصصي تحمل تجربتي الذاتية في مراحل من حياتي.
قالوا عنها:
تناول الروائي كريم السماوي اصدارها الذي حمل عنوان: "طيف الغائب" فقال: وما أدراكم ماذا يعني طيف الغائب، فقد كتبت بلقيس إلى زوجها في ذكرى استشهاده، حيث كل ما تمر هذه الذكرى، تدخل بلقيس في حالة نفسية خاصة، وكأن الحدث حدث بالأمس، ولذلك كتبت تقول: “أبا ظفر أنت ليس ميتاً فأرثيك، أنت حي في ذاكرتي وذاكرة كل الطيبين، ولن يموت من وهب حياته من أجل شعبه ووطنه، كنت يا أبا ظفر إنساناً قبل أن تكون طبيباً، ويقال من السهل أن يكون المرء طبيباً، ولكن من الصعب أن يكون إنساناً، وأنت يا حبيبي جمعت الصفتين، فكنت طبيباً ناجحاً وفي قمة الإنسانية، كما جمعت بين المرح والجد في توليفة رائعة، وكنت تتسم بالبساطة والتواضع والقدرة على فهم الآخرين، والتعامل الواعي معهم”.
وأضاف السماوي: تكتب بلقيس القصة القصيرة، ولهذا نحتفي اليوم بصدور مجموعتها القصصية الأولى (طيف الغائب)، المكونة من ست عشرة قصة، التي تمثل أهم محطات حياتها بين زمنين، زمن في ظل حياة زوجها حتى جاءت اللحظة، التي شطرت ذلك الزمن إلى شطرين، وزمن بعد استشهاد زوجها، قبل أكثر من ثلاثين سنة، حيث تطرقت إلى مراحل حياتها، وهي تصارع في أكثر من مجال وأكثر من بلد، حتى رسي مركبها هنا في السويد، وهو زمن تفرغت فيه لدراستها، وتعليم ولديها ظفر ويسار، حتى نالا أعلى الشهادات الدراسية، ويكفي أن نقول أن يسار الولد الصغير، يحمل شهادة الدكتوراه ويتحدث بست لغات.
- حظيت الاديبة بلقيس الربيعي بتكرم إتحاد الكتاب العراقيين في السويد، في اواخر ديسمبر 2015 في حفل توقيع كتابها الأخير (طيف الغائب).
- كرمت الاديبة بلقيس في احتفالية كبيرة اقامها المركز الثقافي للشعر في كوبنهاكن عام 2016.
- كرمت خلال زيارتها الحالية الى استراليا في مناسبة عيد المرأة العالمي خلال الاحتفالية التي اقامها منتدى الجامعيين العراقي الاسترالي لهذه المناسبة.
اصداراتها:
- ترجمة قصة (بوبو الطيب) وترجمة كتاب بعنوان جورجي ديمتروف في اليمن،
- صدر لها في السويد عام (2010)، كتاب بعنوان: (لك تنحني الجبال) أهدته إلى زوجها الراحل (أبو ظفر).
- صدر لها أكثر من عشر حكايات مصورة، كانت اغلب الحكايات هي من الموروث الإنساني العالمي، ولكنني تصرفت في كتابتها.
في رثاء زوجها كتبت بلقيس:
ابا ظفر لو خرجت روحي من جسدي، لا أظن حبك يخرج. حبي لك لا ينتهي ولا يتوقف. لازلت مراهقة في حبك. غبت جسدا لكنك خالدا في قلبي وضميري وفي ضمائر كل الطيبين. انت انسان فيك كل المزايا، الثقة بالنفس والذكاء والطموح والمرونة والحماس والابتسامة التي لاتفارق ثغرك حتى في أحلك الظروف.
وكما قال عنك الشاعر يحيى السماوي: ”شفاف كدموع العشق.. صلب كمطرقة العامل.. حاد كمبضع الجراح.. دافئ كخبز صباحات الفلاحين.. نقي كالسيف لحظة تجرده "من غمده".
كلما اشعر بالوحدة أهرع الى رسائلك وأخالك بين سطورها. توقفت عند رسالة تقول فيها:
"بلقيس يا أحلى الأسماء
سيدة ستظلين
وناصعة ستظلين
وساخنة بين ذراعي تظلين
أحبك يا حبيبة
وحدي مع الأوراق.. والليل والشباك
وجهكِ الحلو .. وودته بين يدي الآن.. مسترسلا نائما..
وكم أحلم.. سأظل اغمض مقلتي بلا انتهاء
لأقول اغنية هناك
لأقول اغنية تراك
يا واحة بين البراري
قبلة الصباح ودفء شفاهك..
”صباح الخير " ينغرز في وجهي أزهارا .
مائدتنا الصغيرة تتحلق حولها أسعد عائلة..
هل تحبها الى هذا الحد؟
يحمر مني الوجه
أضحك.. أبكي.. ارقص.. أضحك
لقد عشقت الحياة.. أحببتها..
لأني احببت فتاتي التي اسمها ”بلقيس“
أجمل الأسماء.. فقد عشقت الحياة .."
ابا ظفر استشهدت بطلا والتحقت بقافلة الخالدين دفاعا عن مبادئك وطموحات شعبك. ستبقى ذكراك عطرة خالدة.
وفي كلمة أخيرة اختصت بها بانوراما قالت ضيفتنا: بودي ان اعبر عن انبهاري بالحياة الثقافية الموجودة هنا وعلى حجم النشاطات المجتمعية التي تنم عن عمق الانتماء العراقي لبعضهم البعض.. واقدم التحية لكل عمل عراقي مغترب بناء يزيد من التواصل المجتمعي لحياة اجمل وانقى.
نقلت هذه المحطة الدافئة في حياتها عمق إصرارها في تخطي الصعاب لتوقد الشموع في طريق الحياة بدلا من أن تلعن الظلام.