غفران حداد/ بيروت
بائعو الورد من الصبية والبنات، بلا مدارس، بلا منازل، بلا وطن، يتجولون كل يوم على طول الخط البحري في الروشة قلب العاصمة بيروت، ويعيشون على ما يبيعونه من الورد وما يعطيه لهم العشاق الذين لا يستغنون عن حمل الورد وتبادله في لقاءاتهم.
الورود هذه النباتات الزكية بعبيرها والجميلة بمنظرها، تدر المال ولو القليل لبائعيها من الأطفال السوريين والعراقيين، الذين يعتاشون منها، حيث يمثل بيع الورود مصدر دخلهم الوحيد بعد هروبهم من حروب وويلات في بلادهم لم يستوعبوا بعد لما كل هذا الدمار وأصبحوا بين ليلة وضحاها أطفال مشردين بملابس رثة تعلو قسمات وجوههم الكالحة الحزن ومرارة الجوع..بائعة الورد الطفلة السورية لانا قاسم تبلغ من العمر عشر سنوات تقول لـ"بانوراما"، "اقوم ببيع الورد الجوري وهو مرغوب كثيراً لدى العشاق، ويبلغ سعر الوردة ألفي ليرة لبنانية، لكن بعض المشترين يكرمني ويعطيني خمسة آلاف ليرة ودخل عملي يساعد أمي في المعيشة لشراء الخضار". أما بائعة الورود الطفلة العراقية وئام ليث بينت "قبل عامين كنت أتسوّل وأدعو للعشاق والأحبة، أن يحفظ الله لهم حبهم لكي يعطوني المال، لكن قال لي أحد العشاق سأعطيكِ المال لتعملي به بلا ذل أو مهانة، وبلا تسوّل". وتابعت "ذهبت إلى محال الورد وبالمبلغ الذي منحني إياه ذلك العاشق اشتريت الورد، وأبيع الان كل وردة بسعر معين حسب نوعيتها وجمالها"، مبينةً ان "مهنة بيع الورود هي مهنة جميلة، رغم أنّ البعض لا يشتري منا ويسخر من الورد، فيما يأخذ البعض الآخر الوردة ولا يعطيني ثمنها، سامحهم الله"."
صبية بعمر الورد تركوا دراستهم لأجل لقمة العيش،
وما من يدٍ تُمدُّ لهم للعيش في حياة كريمة بعيداً عن التعرض إلى التحرش أو السرقة.
بائعة الورد لينا وحيد عراقية عمرها إثني عشرة سنة قالت لـ"بانوراما" "أبيع الورد منذ أقل من سنة وتحديداً
قبل يومين من عيد العشاق، حين عرضت الموضوع جارتنا على أمي في أن أبيع الورد برفقة ابنها عماد في المتنزهات، حيث وافقت أمي بسبب الفقر الذي نعيشه". وأضافت أن "الرزق على الله ولا نبيع كميات كبيرة من الورود إلا في المناسبات والأعياد ويومي السبت والأحد، حيث تشتري منا العوائل والسيّاح إلى جانب العشاق"
العشاق لهم رأيٌ في عروض شراء
الورد من بائعيه
قصي محي الدين يقول لـ"بانوراما"، "ما أن أجلس مع خطيبتي حتى يتدفق عليّ بائعو الورد". وتابع "أضطر لشراء الورد من أجل حبيبتي التي برفقتي بالسعر الذي يفرضونه خجلاً منها، حتى وان كانت نوعية الورد ليست جيدة جدا، حيث أن البعض من بائعيه يحمل القرنفل والياس ووروداً طبيعية ذابلة وبلا رائحة ويقومون ببيعها بأسعار غالية".
علم النفس له رأيٌ في عمالة
بائعي الورد
الباحثة النفسية ابتسام عبد اللطيف أكدت لـ"بانوراما" أنّ: "بائعي الورد من الصبية في سن خطير وحرج"، مشيرة إلى أن "العمل في سن المراهقة يعرضهم إلى الكثير من المخاطر مثل: الاستغلال الجنسي والتحرش وحوادث السيارات". واضافت "هذه ظاهرة كثرت بعد تهجير وهروب الأسر من المناطق والبلاد التي تشهد الحروب والإنفجارات مثل العراق وسوريا، يجب توفير الأمن والحماية لهم، لأجل بناء جيل واعٍ ومثقف معتمد عليه في بناء المستقبل". ونوهت إلى أن "الأطفال الذين يعملون بالإكراه لأجل لقمة العيش يتولد لديهم شعور بالكره تجاه الأهل والمجتمع، إلى جانب شعور بعدم الثقة بالنفس، وفي كثير من الأحيان يستغلون للعمل الإجرامي، وفي العمليات الإرهابية، حيث أن هذه الظاهرة خطيرة جدا ويجب الوقوف عندها". وتابعت "ولو كنا واقعيين، لرأينا بان الوضع الإنساني في بعض البلدان التي تشهد الحروب لكي يتغير فإنه مرتبط بضرورة حدوث تغيير في خارطة البلد السياسية، وما يمكن أن تعكسه على اقتصاد العائلة، وبالنتيجة سوف تنتهي عمالة الأطفال، وتنتهي كل الظواهر السلبية في البلد".