في مجموعتها الشعرية
نوارس مثخنة الجراح
حياة الشمري والذهاب الى ابعد
من سياحة القصيدة
يتقدم الشعر على باقي الفنون الأدبية في ميزتين الأولى تخص الشاعر والثانية تخص المتلقي، وبينهما يقف الناقد باحثاً عن التواشج الفعلي الذي يجعل النص والناص على مسافة مقتربة لكنها غير متلاصقة ، بمعنى ان القصيدة او النص الشعري لا يمكن فصلهما عن بعضمها الا في حدود مسافة التلقي التي ربما لم تصل الى الالتصاق، وقد يجد بعض النقاد ان التلاصق يكون مطلوباً حين يراد من الناص ان يكون حاضراً بداخل نصه، وهو لم يستطع كثيرون من الوصول اليه، بل ان كثير من الشعراء انسلخوا عنه وتوجهوا لاستدعاء الآخر ليكون هو عمق النص.
فالقصيدة حين تعبر مساحة السياحة الشعرية والتجوال في مناطق عدة تفقد بعض تميزها وتخرج عن البعد الاسمى وهو ايصال رسالة واضحة المعالم.
في مجموعتها الشعرية الجديدة نوارس مثخنة الجراح تحاول الشاعرة حياة الشمري الابتعاد عن قضية التجوال الشعري لذلك تمسكت باشتغال خاص بها تتحكم فيه عبر منظومة بثها الخاصة، فهي ولفرط عشقها لجراحها ووجعها آثرت ان تكون ثيمة المجموعة واحدة سواء بالنص او بابعاده الاخرى، فهي تؤمن بكونها انسانة تحتاج لتوثيق جراحها عبر نصوص متعددة، تتمسك بايقاع يتباين في الطرح لكنه يحمل العمق ذاته، وحتى وهي تؤمن بان نصها يحمل في بعض الاحيان تناقضا، الا انها تريده هكذا يحمل عبثية انثوية تمثلها وحدها وهو مانجده في قصيدة هوى شهرزاد حيث تقول:
قد ابدأ العد بين راحتيك
احس بدفء السنين
ثم تعود لتقول في القصيدة ذاتها:
روحي تتلبس ملامح وجهك
ومعابدي عذراء
فاليقين الذي كان بين كفي الحبيب صار ملامح غير واضحة، على أساس انها لم تكن بين الكفين سوى حلم أفلت من اليقين.
في كتاب ميشيل ساندرا والموسوم قراءة في قصيدة النثر ورد مايلي المفهوم الذي يرى ان الشعر تحالف بين الفة القلب والطموحات اللا نهائية سوف يجد شكله في النثر لا في القالب النحوي والعروضي، وعليه فان قصيدة النثر ربما كانت الأقدر على طرح الفة القلب والطموح المتجدد لدى الشاعر، فيصير المنجز الخاص لا العام قادراً على افتعال اكثر من ازاحة لغوية لتحقيق ذلك التحالف، وقد سعت الشاعرة حياة الشمري الى ذلك في أكثر من قصيدة ففي قصيدتها الصبح قادم تقول:
هو الصبح للقادمين
والدروب اقدام الصلاة جمعة
بعد انحباس المطر
وعلى الأجساد طلّ ثمر
يسّاقط حلواً للوافدين
أما في قصيدتها رداء الريح فتقول
يا لفراشاتي في عين المرايا
تذبح والذئاب تعوي للقمر
اذن في الاولى الفة حقيقية بين الجسد والوافد وفي الثانية طموح للتخلص من الغدر والوجع الذي يلازم النص، واعتقد ان من سيطلع على المجموعة سيجد ان حياة الشمري أكثرت من الانثيال الجسدي، حتى تكاد لا تجد نصاً من نصوصها خالياً من ثيمة الجسد بعد ان جعلت منه سياحتها الوحيدة في مجموعتها هذه، لكن اشتغالها على الجسد لم يأت سطحياً أو مبتذلاً بل جاء عبر ايروتيك عال يتميز بضبط المفردة وتوظيفها لتكون آهات لذيذة تضم الشهوة والوجع في آن واحد، كما برز ذلك في قصيدتها الموسومة لا تغب حيث تقول
اهبط على صدرك
ازاحم انفاسك
وضوء جسدي السومري يلتف ضياءاً
يرى هنري ميشونيك ان الخطاب اذا كان هو ممارسة للذات داخل التاريخ فالقصيدة سوف تعتبر التسجيل الأقصى للذات ووضعها وتاريخها داخل اللغة، وقد استفادت الشاعرة حياة الشمري وربما من دون ان تدري من هذه المقولة فراحت تسرد علينا شعرياً بعضاً من تاريخها عبر لغة فاحت منها لغة الاعترافات فصارت تتموسق هي ومفردانتها عازفة لنا كثير من السمفونيات الشعرية بعد ان جاء التاريخ مصاحباً لمفرداتها وها هي تقول
الأفكار جاهلية
توقد شموع اخيلتها أمام آالهة التيه
لا حصاة ترجمنا والبيوت خطايا،
ثم تعود لتقول
تداعت أضلعي فوق سرير التصدع
وانا الان اتوضا من لغة الشفاه
قبلات تصلي لعشقي العائد
ولو تمعنا في النصين لوجدنا الاعترافات التاريخية تتناوب لتخبرنا عن جنون مضى وجنون قادم، فثيمة الجسد هنا تشتغل مع التاريخ لتقدم لنا اعترافات شعرية غاية في الوضوح
اذن حياة الشمري تركت ثيمة الجسد مطروحة ومتوفرة في أغلب نصوصها واكتفت به مؤسساً لرحلتها الشعرية في هذه المجموعة التي بدت أفضل بكثير من مجاميعها السابقة ذات الاشتغال المختلف.