ما حدث في السودان، من فعالية مجتمعية- عسكرية لاسقاط السلطة "الاسلامية" الاخوانية الفاجرة لا يصلح ان يكون وصفة لمعالجة الازمة السياسية المستعصية في العراق، واحسب ان ثمة "عواطف" وراء بعض الكتابات والتعليقات التي طالعتنا في الايام الماضية والتي تحضّ على الأخذ بالوصفة السودانية، لالحاق الهزيمة بسلطة الدولة الفاسدة وهياكل المحاصصة البغيضة.
في السودان، كما كان في مصر الاخوانية كانت سلطة القرار قد احتكرت من قبل حركة الاخوان المسلمين وعهدت بمهمة اسلمة البلاد الى رئيس الجمهورية عمر البشير الذي بدأ تنفيذ خطوات القضم في الدولة المدنية العريقة فاصطدم، بمرور الوقت، بالجدار السميك للمعارضة الاهلية التي هيئت الارضية الى جبهة سياسية واسعة لجهة انهاء حكم الدكتاورية الاخوانية، اذ انخرطت فيها فئات من الجيش، الامر الذي يختلف، في عنوانه الرئيس وتفاصيله، عن احوال العراق.
فليس في العراق سلطة قرار واحدة، ولا يمسك رئيس الوزراء (الحاكم الدستوري) إلا جزءا من هذا القرار الذي يصطدم، في غالب الاحيان، بكتل "وحكومات موازية" هي الاخرى تقبض على لعبة ادارة السياسة والقرارات من جوانب كثيرة ومتداخلة، كما ان محاولات و "خطوات" اسلمة الدولة العراقية وتدمير الميراث المدني لا تتم وفق الصيغة الاخوانية، واحيانا تتم عن طريق جماعات مسلحة وهيئات وفتاوى بعيدا عن دائرة سلطة القرار.
الى ذلك، فان المشروع الاخواني لاسلمة السودان واجه معارضة ضارية من المجتمع المدني ودعامته الطبقة الوسطى (السوق. الجامعات. الثقافة. المغتربون. موظفو الدولة.. الخ) وتماسكه وفاعليته، الامر الذي لا يقارن بالمجتمع المدني العراقي الهش لاسباب كثيرة اهمها، وابرزها، حالة الترييف الواسعة، التي تعرضت لها مجمعات المدن والحواضر، طوال خمسة عقود من الزمن، مما عقّد بناء ركائز (منظمات) للمجتمع المدني وعرّض نواتاتها الى اختراق وباء الفساد والترزق والتسييس، بل ان الكثير من هذه الركائز تحولت الى عبء على المجتمع المدني نفسه.
وتختلف الحالة العراقية عن السودانية، ايضا، في الاستقطاب الطائفي الحاد، الموظف في المشاريع السياسية الفئوية، بما يعقّد عملية التعبئة ضد الفساد والطائفية والمحاصصة، أذ تحولت دعوات التغيير الى جزر متباعدة، فيما كرّس السياسيون الطائفيون هذا التباعد وغذوه بالحساسيات والمعارك الاعلامية، واعمال التأليب.
احسب انه من التبسيط اللامنهجي المقارنة بين دور الجيش السوداني في الاستجابة الى ارادة المجتمع المدني، وبين دور ومكانة المؤسسة العسكرية في العراق.. واما الذين لا يجدون اختلافا جوهريا بين الحالتين فانهم، برأيي، لم يقرأوا المعطيات جيدا..
فلهم حق الاجتهاد، ولي حق التحفظ.
*****
بوذا:
“ لن تُعاقب بسبب غضبك، بل غضبك هو العقاب”.