في واحدة من زيارات زوجة تشارلز ديكنز، الروائي البريطاني الأشهر، إلى طبيبها، أفصح الطبيب عن قلقه من الطريقة التي تعبّر بها واحدة من شخصيات ديكنز عن مشكلاتها مع عوقها.
كان ديكنز (المتوفى عام 1870) ينشر أعماله الروائية بحلقات في الصحف، وكان رائداً بهذه الطريقة، وبما جعل منه متابَعاً من جمهور واسع، حتى حقق انتشاراً واسعاً ساعدت فيه قوة التجربة الأدبية المدعمة بالنزعة الإنسانية الكبيرة.
ديكنز، وبعد تلقّيه ملاحظة الطبيب، عاد فقوّم سلوك الشخصية بموجب الملاحظة واقتناعه بها، وكان بهذا يعبّر عن حسن تفاعلي إيجابي مع رأي من قارئ نبيه.
لا ينبغي تفسير مثل هذا التفاعل، وتقويم الكتابة، على أنه شكل من التغيير قائم على الخضوع السلبي لمتطلبات الجمهور.
كان ديكنز متفهماً لما أقدم عليه من أسلوب بالنشر الصحفي لعمل أدبي، على أنه وسيلة للتواصل والتفاعل ما بين الكاتب والقراء، ومن الاستثمار الإيجابي لهذا التفاعل القدرة على الانتفاع من الرأي الآخر كلما كان هذا يساعد في تقويم الكتابة وترصينها.
مضى ديكنز قُدماً في هذا المشوار التفاعلي فلم يكتف معه بالنشر الصحفي المتسلسل، لقد عمل بعد ذلك من أجل حلقات لقراءة الفصول المنشورة على جمهور عام، حتى تطورت هذه الحلقات لتضمّ أعداداً كبيرة من الفقراء الأميين، وليكسب بهذا جمهوراً جديداً لأدب جديد.
كان ديكنز روائياً استثنائياً في عصره، وكان ناقداً اجتماعياً. يشير النقد الإنكليزي إلى أن المصدر الأهم في التأثير على تشكل تجربته هو الليالي العربية (ألف ليلة وليلة).
عمله الروائي الأهم، قصة مدينتين، يفصح عن غضب شديد على ما يسبب معاناة العمال والفقراء من قبل الأرستقراطيين، فيما هو ينطوي أيضا على نقد أشد ضد ما هو أهوج من تصرف ثوار الثورة الفرنسية ضد الطبقة الأرستقراطية بشكل عام.
وديكنز قدم نقداً مستمراً للمؤسسة الدينية المسيحية حينما دافع عن حق الشعب بالاستمتاع من خلال معارضته للوجه المكفهر والكئيب للكنيسة ولجهدها المنظم من أجل حظر الألعاب يوم الأحد.
وإلى هذا فقد كان نجله هنري فيلدنج ديكنز يصف أباه بأنه "يمتلك قناعات دينية عميقة"، فيما كان دستويفسكي يصفه بـ:" الكاتب المسيحي العظيم".
مؤخراً جرى العثور على بورتريت لديكنز شاباً وسيماً، كان هذا لوحة زيتية (فقدت) قبل 130 عاماً بعدما أنجزتها رسامة بريطانية ونقلت إلى جنوب افريقيا، ومن هنا استعيدت بالمصادفة من قبل مواطن بريطاني اشتراها مع حلي موضوعة بعلية كرتونية بمبلغ زهيد (27 جنيهاً استرلينياً). توقع المشتري أهمية هذه اللوحة المغطاة بالأتربة والطحالب فركز جهداً دؤوباً حتى جرى التأكد من هويتها.
لقد احتاج متحف ديكنز في لندن إلى ما يقارب 180 ألف جنيه إسترليني لشراء اللوحة وضمها لمقتنياته، مؤسسات الفن والثقافة ومعها جمهور من محبي الكاتب وفروا المبلغ واشتُريت اللوحة لتكون متاحة للجمهور قريباً.
كان هذا وفاءً وتقديراً لكاتب كبير عبر عنه الجمهور بكرم نبيل.
وكانت الشاعرة البريطانية إليزابيث براوننج (معاصرة ديكنز) تنظر إلى لوحة ديكنز شاباً قبل فقدانها فتقول:" كان عليه شيء من غبار وطين الإنسانية، على الرغم من عيني النسر"، عيني الكاتب كما تبرزهما اللوحة.