معاناة المثقف العراقي من فشل المؤسسة الثقافية في تسويق النتاج الإبداعي ليست وليدة اليوم، ففي جميع الحقب كانت تلك المعاناة متواجدة، ولكن لو ركزنا عند حقبتين هي حقبة (صدام) وحقبة (مابعد صدام)، لوجدنا تشابهاً في قضية التسويق.
ففي زمن صدام كانت المؤسسة الثقافية مؤدلجة تماماً، وبما ان تلك المؤسسة كانت تقاد من قبل المؤسسة الحزبية (البعث) لذا كان التوجه في صناعة الكتاب يميل الى غلق الأبواب بوجه كل مثقف لم يكن مع حزب البعث العربي الاشتراكي، وخصوصاً المثقفين اليساريين (الشيوعيين).
وبما ان الثقافة العراقية هي ثقافة يسارية، فقد انزوى كثير من المبدعين العراقيين، لعدم وجود نافذة يبثون من خلالها ابداعاتهم.
ومازاد المثقف العراقي عزلة هو ان المؤسسة الثقافية في العراق آنذالك قررت منع استيراد الكتب والمجلات العربية والعالمية، وذلك لاحكام الطوق على المثقف العراقي وحصره في بوتقة الثقافة المؤدلجة.
وكان المستفيدون من هذه العزلة هم المداحون والمطبلون للبعث الصدامي، حيث هيمنوا على جميع مفاصل المؤسسة الثقافية وصارت صناعة الكتاب محصورة بهم، حين رفعوا شعار او مصطلح (أدب المعركة)، وصاروا يمجدون القتل والدمار وقائدهم الضرورة. واليوم لم يختلف الوضع كثيراً، فقد حكمت المؤسسة الثقافية من قبل أناس لبسوا ملابس غيرهم لكنهم احتفظوا بشخصياتهم الرخيصة، فأغلب من اندس في المؤسسات الثقافية المعنية بصناعة الكتاب العراقي، وكانت دار الشؤون الثقافية هي الأكثر تحبيطاً لهمم المثقف العراقي، حيث عمدت ادارة الدائرة الى تهميش واقصاء دور المثقف الحقيقي، وصارت تتعامل معهم بجفاء تام، مع تقريب كثير من الوجوه البعثية ونشر منجزاتهم، وذلك لمحاصرة الثقافة اليسارية، التي يبدو ان باقي الثقافات تتهيب منها، وتعيش قبالتها وهي تشعر بالدونية.
كما حاول كثير من المثقفين غير الثابتين على موقف، مسايرة المد الديني، الذي تسيد المشهد العام، وتغلغل في المؤسسة الثقافية، وهؤلاء انتهزوا الفرصة وتقربوا من المسؤولين في الدوائر والمؤسسات الثقافية، من أجل طبع منجزهم، بينما كان نصيب المثقفين الحقيقيين هو الوقوف في طابور الانتظار، حتى يعطف عليهم مسؤول ما ويسمح لهم بطرح منجزهم.
قبالة هذا وقفت دور النشر المستقلة موقفاً جيداً حينما انفتحت على الجميع، وصارت تطبع المنجز العراقي من دون النظر للانتماءات السياسية والفكرية والدينية، فصار لدينا حاصلاً كبيراً من الابداع، ومن تلك الدور التي يشار لها بالبنان، مؤسسة المدى ودار ميزوبوتاميا ودار ومكتبة عدنان ودار الجواهري ودار ومكتبة سطور، وغيرها من دور النشر الأخرى، حيث طبعت هذه الدور آلاف العناوين وسوقتها بصورة جيدة من خلال معارض الكتاب المحلية والعربية والعالمية.