اتضح اخيرا، كما كنا نتوقع، أن كل التهليل الذي رافق توقيع اتفاق إيران والدول الغربية، لم يكن له ما يبرره، إيرانيا حتما، مع عدم التقليل من أهمية الاتفاق. فالاحتفالات التي شهدتها شوارع طهران لم تكن ابتهاجا بالانتصار، بقدر ما كانت تعبيرا عن السعادة لانتهاء العقوبات، وأملا في عودتهم للعيش مثل غيرهم. أعتقد شخصيا أن إيران ما قبل الاتفاق وما بعده لم تتغير! فقد كانت، ولا تزال، وستستمر، دولة من العالم الثالث، تشكو من نفس أمراضه، من عجز وتنمية بطيئة وبطالة، وهجرة خبرات. وهذا يتناقض مع ما ذكره زميل في القبس من أن إيران بدأت في بناء جيشها، وتمكنت من امتلاك أسلحة قادرة على صد العدوان، كما طورت صواريخ قريبة وبعيدة المدى، وصنعت طائرات من دون طيار، تتفوق حتى على مثيلاتها الأميركية والإسرائيلية، إضافة إلى قدرتها على إنتاج مختلف الأسلحة، بما فيها حاملات الطائرات! فهذه كلها، إن صح كلامه، لا تعني شيئا، فالعبرة بسعادة وحرية ورفاهية المواطن الإيراني وكرامته، وليس بترسانة أسلحته. أما أن نقول إن الحرية والرفاهية يمكن تأجيلها لحين استقرار الأوضاع، فهو كلام كالسراب، فالشعب الإيراني، ومنذ ثورة المشروطية عام 1906 ما زال ينتظر!
لقد قام الكثير من الطغاة، من أمثال الشاه وصدام، ببناء ترسانات اسلحة ضخمة، ونفخ الغرب فيهم ووصف جيوشهم بانها الأقوى. وبسبب عدم مصاحبة بناء تلك الترسانة اي تنمية حقيقة للإنسان، فإن تلك الجيوش انهارت مع اول اختبار، مخلفة وراءها جبالا من الأسلحة غير المستخدمة. معروف أن إيران، بسبب المقاطعة الدولية التي استمرت أكثر من 11 عاما، تعاني من تهالك سفنها الحربية، وافتقاد طائراتها، المدنية والحربية، لقطع الغيار وتقادم كامل نظم الإنتاج فيها. وبالتالي فحتى من دون الاتفاق الأخير فإن إيران ستكون، في اشد السيناريوهات قتامة، دولة مزعجة للغرب، ولكنها لا يمكن ان تشكل عامل خوف حتى مع امتلاكها للقوة النووية.
كما أعتقد شخصيا أن أهم نقاط ضعف إيران هو إصرارها على العيش في ماضيها، مع كل ما يشكله ذلك من ضغط معنوي وحضاري، حالها حال بقية دول المنطقة، وهو هاجس لا تعرفه بقية الاقتصادات النامية خارج المنطقة. إن بناء الإنسان هو المهم، وهو الذي يجب ان يحظى بالأولوية، وليس بناء الصواريخ وحاملات الطائرات. فمهمة دولة عظيمة مثل إيران، كما كتب زميل، ليس إيقاع الرعب واليأس في قلوب الغرب وإسرائيل، فهذا هدف فارغ ولا معنى له، بل هدفها يجب أن يكون خلق مجتمع سعيد وحر. كما أن سياسات بعض دول المنطقة، ومنها إيران، بخلق أعداء حقيقيين ووهميين، وإلهاء شعوبهم بتلك العداوات، والاستعداد، معنويا وعسكريا، للمعركة الفاصلة، لتبرير الصرف على برامج التسلح، لن تجر على هذه الدول إلا الوبال.