لم يعرف العرب في تاريخهم الحديث مجرماً دموياً ودكتاتوراً كصدام حسين، والذي يتحمل منفرداً مسؤولية كل ما يحدث اليوم في العراق من إجرام وقتل وتشريد، ولكن بالرغم من كل موبقات الرجل، فإنه وجد رجال دين من السعودية وقطر، وحتى الكويت، على استعداد للإشادة به والترحم عليه والدفاع عنه، فهذا يوسف القرضاوي، رئيس ما يسمى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يقول في أحد خطبه، وجسده يرتجف من التأثر:... إن من شهد على أن لا إله إلا الله، ومات على الشهادة، فكيف يسب ويلعن، ونحن نسمعه يقول الشهادة؟
من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة! ومعنى كلام هذا المدعي أن بإمكان أي كان ارتكاب ما شاء من الجرائم، حتى في حق أقرب الناس إليه، وعندما يتلو الشهادتين، يصبح بعدها محصناً من اللعن والسب، وعلينا طلب الرحمة له!
***
يقول القس اللبناني جورج مسوح (النهار، يوليو 2014) إنه عندما كان طالباً في معهد اللاهوت، فوجئ بأستاذه يقول إن أتباع الديانات الوثنيّة في تعاملهم مع المختلفين عنهم دينياً أكثر تسامحاً من الديانات التوحيديّة الإبراهيميّة، حيث كانت توجد في كل مدينة من مدنهم “بانتيون“يضمّ تماثيل آلهة ديانات متعددة، وكانت هذه حال روما وأثينا والإسكندريّة وغيرها.
ثم أتت الديانات التوحيديّة وقضت على التنوّع الديني، ومارست التكفير بقوّة القانون على مخالفي ديانة الإمبراطور المسيحي أو الخليفة المسلم، فهدّمت المعابد، أو حوّلت الكنائس إلى مساجد أو العكس، ثم عادت المساجد لتصبح كنائس، والعكس.
والسبب أن التوحيديّة لا تقبل الاختلاف في الرأي، وتسارع إلى تكفير أو هرطقة مَن لا يتفق معها.
وللأسف، ما زلنا في منطقتنا نمارس عدم قبولنا للمختلفين دينياً عنا.
ويقول الأب مسوح إننا لو أجرينا مقارنة ما بين بلادنا، حيث تسود الحالة الدينية والطائفية على ما عداها، وبلاد الغرب، حيث فصلت الكنيسة عن الدولة، لوجدنا أننا ما زلنا نتقاتل ونتحارب باسم الإله الواحد، فيما تحيا المجتمعات الغربية بسلام وأمان واطمئنان، بالرغم من ضعف علاقاتها الدينية.
وإن ما نسمعه منذ سنوات من قبيل أنّ الغرب متقدّم علينا علمياً، ولكننا متقدّمون عليه أخلاقياً، كلام غير سليم.
فأين هي هذه الأخلاق التي نتحلّى بها؟
هل هي في ارتكاب المجازر، والذبح، والتهجير، وهدم بيوت الناس فوق رؤوسهم والقصف العشوائي، والتفجيرات الانتحارية، والخطف، والتمييز الطائفي والديني، والتكفير، وعدم قبول الآخر؟
أين الأخلاق حين يصبح الإنسان سلعة لا تساوي فلساً في بازار المذاهب، ورقماً يضاف إلى أعداد القتلى؟
ويقول إن وثنية الغرب، إن صحت التسمية، أفضل من تخلفنا، فهم لم يحظروا الانتماء الديني، فالجميع يمارس حريته الدينية بمساواة تامة.
فأين نحن منهم، ودماء بعضنا البعض تغرق شوارعنا؟!
نعيد ونكرر إن الحل في العلمانية.