حزنت، كالكثيرين غيري، لوقوع ذلك العدد من الضحايا في حادثتي الحرم المكي، ولكم اللامبالاة التي أبدتها الغالبية تجاه الأمرين، واستمرارهم في اعتبار العيد عيدا، وكأن الآلاف الذين ماتوا أو أصيبوا ليسوا منا!
ولا أدري متى سنتعلم من أخطائنا، ونغير من بعض عاداتنا، ونجعل المنطق هو الحكم، فلا سبب يمنع من جعل مناسباتنا الدينية أكثر أمناً وفرحاً ورمزية، ولا شيء يمنع من الاهتمام بالمعنى الحقيقي والهدف الصحيح للعبادات والشعائر، وليس فقط الاهتمام بكيفية القيام بها.
فالإصرار مثلا على نحر مئات آلاف الأضاحي سنوياً، وتعرّض غالبيتها للتلف دون فائدة، أمر محير ولا يمكن ان يستمر للأبد!
فمع زيادة أعداد الحجاج، واستمرار تردي الأوضاع الاقتصادية للدول الإسلامية، فسوف يأتي يوم نواجه فيه صعوبة كبيرة في إيجاد العدد المطلوب من الأضاحي، أو إيجاد من يمتلك المال للحصول عليها.
لقد تغيّر العالم من حولنا، ولم تبق عقيدة لم يقم أصحابها بتعديل طقوسها، لكي تتواءم مع العصر ومتطلباته المعقدة والكثيرة.
فالكنيسة الكاثوليكية، ذات التمثيل الأكبر لأوسع الأديان انتشاراً، قامت في السنوات الأخيرة بإجراء تحولات واسعة في هيكليتها وطريقة أداء عباداتها، كما تخلّت عن تطرفها السابق، وأصبحت أقل عنفاً وأكثر ميلاً الى رفض تكفير الآخر، وإيماناً بضرورة التعايش معه.
ويقول د. خالد منتصر اننا بحاجة الى توسعة عقولنا أكثر من حاجتنا لتوسعة أماكن ممارستنا لعباداتنا.
فما كان صالحاً لمئة أصبح غير صالح لمليون.
وما كان صالحا لما قبل ألف عام اصبح غير ذلك اليوم، فما بالك بعد عشرين أو مئة سنة؟
وان علينا الاستماع لصوت العقل وإيجاد حلول وأفكار فقهية مرنة، تراعي الصالح والضروري والمتغير، وعدم الرضا بالجمود.
لقد بينت زيارة البابا الأخيرة لجنوب وشمال أميركا مدى أهمية مكانته، التي لا يمكن أن يحتلها رجل دين آخر.
وظهرت تلك الأهمية في مضمون خطابه الذي ألقاه أمام عشرات زعماء ورؤساء الدول في الأمم المتحدة، وحديثه عن القضايا الحقيقية التي تشغل العالم، وبمسؤولية زعمائه عن ضرورة وضع حلول لها، وصون كرامة شعوبهم، ووقف كل هذا الجنون والحروب والأحقاد، والعمل على حماية الأطفال، وتوفير أفضل الفرص لهم، والقضاء على الفقر والمرض والجهل.
كل ذلك بيّن مدى أهمية ومكانة هذا الرجل المعتدل في تدينه والمتسامح مع أعدائه، وهو أمر يصعب تخيل حصوله مع معظم زعاماتنا الدينية التقليدية،
والأسباب التي تمنع ذلك معروفة.
فنحن نرفض منح الآخر ما نريده لانفسنا، ولا يبدو أننا جادون في نشر السلام في العالم، إلا بشروطنا، ولا نسعى الى التعايش مع الآخر إلا بطريقتنا، فهل من مخرج من هذا الوضع؟