من أقل التعليقات منطقية في تبرير العمل الإجرامي الذي وقع في العاصمة الفرنسية، ما حاوله البعض من ربطه بجرائم “الاستعمار “الفرنسي في الجزائر وغيرها.
قبول هذا العذر أو التبرير يعني قبول اعتداء أي مجتمع أو دولة على غيرها، لنعيش جميعاً في حينها في دوامة من الأعمال الانتقامية التي تذكرنا بقصص الثأر القبلية أو الأسرية بين جماعة أو أخرى، التي تستمر دوامة العنف فيها أحياناً لسنوات طويلة!
فمن الصعوبة بمكان وجود مجتمع أو دولة لم يتم الاعتداء عليها من دولة أو جماعة أخرى، أو أن تكون، في مرحلة ما من التاريخ، هي المعتدية على غيرها. وبالتالي، من حق الأسبان مثلاً غزونا واحتلال دولنا، لأننا سبق أن غزوناهم واحتللنا أراضيهم لألف عام، قبل قرابة ألف عام!
وعلى الرغم من أن جهات عدة، ومنها جهات متطرفة في مواقفها من الغرب، أدانت الفعل الإرهابي في باريس، فإن أغلبيتها، كما ذكر الزميل الأستاذ سعد بن طفلة في مقال له نُشر في “الشرق الأوسط”، ألحقت إدانتها بــ “ولكن”.. ولكن، فرنسا هي البادئة بالاعتداء على دولنا ومقدساتنا! أو القول إن تنظيم داعش لا يمثل الإسلام والمسلمين، أو ان هذه الأفعال صادرة عن فئة ضالة! من دون أن يدرك هؤلاء “المبررون“أن من حق الآخرين استخدام نفس التبريرات والقيام بالاعتداء علينا في عقر دارنا.
ويقول الزميل إن الواجب الإنساني والأخلاقي يتطلب منا إدانة أعمال القتل العشوائي الدموية التي تستهدف الأبرياء بشمولية أخلاقية لا تعرف الانتقائية ولا “اللّكننة”، وهي إدانة وازعها إنساني يتعاطف مع الإنسان في أي مكان ومن أي جنسية أو دين أو لون يكون، وما عدا ذلك فليس بإدانة، وإنما إهانة للضحايا والأبرياء الذين يتساقطون بعمليات الإرهاب في كل مكان.
إن موقف الإدانة موقف أخلاقي مطلق غير مرهون بمواقف فرنسا الرسمية، ولا هو مرتبط بدرجة أخلاق الآخرين، فهو موقف مبدئي لا يعرف أن يستثني الأبرياء ولا “يُلكْنن “عند هذه الضحية أو تلك. فهل “نلكنن“حين يتساقط الأبرياء عشوائياً بباريس، لأن فرنسا الاستعمارية ارتكبت جرائم حرب بمستعمراتها في الماضي؟
وإلى أي مدى بالتاريخ سنعود بعقليتنا الثأرية ضد الآخر؟! وكيف تختلف هذه العقلية الثأرية عن العقلية “الداعشية“التي تطالب بقتال جميع من في الأرض إلى أن يذعنوا لخلافتهم ويسلموا ويبايعوا خليفتهم، أو أن يدفعوا الجزية وهم صاغرون؟!
ونقول إن من المؤسف أن كثيراً من الذين خدعوا غيرهم بما يغدقونه على أنفسهم من أوصاف علمية، يشيرون إليها بالأحرف التي تسبق أسماءهم، ويذيلون بها مقالاتهم، كانوا على رأس هؤلاء التبريريين، وهم لم يفعلوا ذلك لولا العمى الديني الحزبي الذي أعمى أبصارهم وبصائرهم عن رؤية الحقيقة!
ويبقى السؤال المُحيّر:
أين هؤلاء القتلة المجرمون من إسرائيل.. مثلاً؟!