كانت مياه الشرب تجري في عقود " مجارٍ" مبلطة من أسفلها بالصاروج الأحمر ومعقودة من اعلاها بالآجر وتدخل المدينة وتنفذ في أكثر شوارع الأرباض جارية صيفا وشتاء في هندسة لا ينقطع هواؤها.
وبنيت عدة قناطر بالآجر والجص و تكاثرت احواض مياه السبيل اما العامة فكانوا يحفرون الابار في بيوتهم او ينقلون الماء من دجلة على دوابهم وكان سقاة الماء يسقونه في الجوامع.
وعرف العراق البيمارستانات " المستشفيات" قبل الدولة العباسية و في بغداد انشأ يحيى بن جعفر أول بيمارستان وأسند إدارته إلى طبيب هندي.
ولم يكن العلاج مسألة دينية ولم يقف رجال الفقه منه موقفا عدائيا وحزن قاضي القضاة في بغداد ابن أبي عمر لوفاة طبيب شهير آنذاك وحين سئل عن السبب قال " فخر العراق بكثرة رؤساء الصناع" ومنهم الأطباء عهد المتوكل كُلف الطبيب إسرائيل بن زكريا الطيفوري ببناء و إدارة بيمارستان كبير وفي بيمارستان صاعد في عهد المعتضد كان يعالج " المغلوبين على عقولهم" المرضى النفسيين وبلغ ما يصرف عليه 450 دينار للأدوية والأطعمة والأشربة والخبازين والحكماء والكحالين" اطباء العيون" .
وحدث أن توفي مريض بسبب غلط طبيب فتقرر إجراء امتحان علمي وعملي لجميع الأطباء سواء كانوا يطببون المرضى في البيمارستانات وستثني من الامتحان كبار ومشاهير الاطباء او في بيوتهم وبلغ عدد الأطباء في بغداد ثمانمائة وستين رجلا وكان على اطباء العيون " الكحالون" تأدية امتحان طبي أمام المحتسب يمتحنهم بكتب طب العيون وكان الصيادلة يخضعون لامتحان يحدد قدراتهم أيضا..
وقد انتشرت المكتبات العامة الرسمية في بغداد منذ عهد الرشيد والبرامكة واستمرت الى عهد المأمون وسميت دار الحكمة وكان والي قبرص قد أرسل إلى المأمون الكثير من كتب اليونان فجعل سهل بن هارون خازنا لها و عين فيها المترجمين يعملون على ترجمتها الى العربية. وفي القرن الثالث الهجري بلغ عدد المكتبات أكثر من مائة دار إضافة الى مكتبات الخواص فقد اتخذ علي بن يحيى مكتبة في ضيعته " القفص" في ضواحي بغداد وسماها خزانة الحكمة وكان الناس يقصدونها من كل بلد فيقيمون فيها ويتعلمون منها صنوف العلم والكتب مبذولة لهم والصيانة مشتملة عليهم والنفقة من صاحب المكتبة ويروى أن أبا معشر المنجم كان في طريقه الى الحج فمر بها فأعجب بها وأضرب عن الحج و أقام فيها لدراسة علم الفلك! وكان للمعتضد مكتبة ضخمة وكان لابن حنبل مكتبة قدر ما فيها باثني عشر حملا عدلا يضعها في بيت يشبه التابوت.
ونظم العمل والتصميم في المكتبات فأصبحت المكتبة تتألف من ثلاث حجرات ، الكبرى منها لحفظ وعرض الكتب وجلوس القراء والثانية لأعمال النسخ والتجليد والخزن والثالثة مأوى لخازن المكتبة وعمالها. وابتاع أبو نصر سابور سنة 383 هـ دارا في الكرخ فعمرها وبيضها وسماها دار العلم وكلف الخوارزمي بالعناية بها.
ويبدو أن دار العلم كانت أول المدارس الحديثة التي عرفتها بغداد والعالم وكانت "مركزا من المراكز العلمية لدعم الدعاية الشيعية" كما يقول دي أج ريتشارد في كتابه ( les agitations religieuses a Bagdad aux 9 et 10 siecles ) ويرجح أن أبا العلاء المعري كان صديقا لأحد خازنيها حين زار بغداد وأقام بها.
وقد احترقت هذه الدار سنة 451 وكان بها عشرة آلاف مجلد فتدخل عميد الملك ومنع الناس من نهب الكتب ولكنه اختار من كتبها الكثير لنفسه! وبلغ تنظيم المكتبات في بغداد ذروته مع مكتبة الشريف الرضي فقد كان فيها موضعا لدراسة الطلاب وسكنهم و أعطي كل طالب فيها مفتاحا خاصا ليأخذ منها ما يحتاج إليه من كتب دون مراجعة الخازن...