"بعد عطلة العيد.. البرلمان مقبِل على جدول أعمال ساخن"
بالعبارة أعلاه صرح المصرحون، وتقول المتقولون، وتقيأ المتقيئون، آخر ايام العيد، ولست أدري -وفي الحقيقة أدري- أهو تبشير وتطمين؟ أم هو إنذار وتحذير ووعيد! أم ياترى هو كما يقول شاعرنا الشعبي الذي سيجبرنا على الامتثال لبيته القائل:
إن شرّكوا للجهنم وان غرّبوا للجير
وان عاشروا غيرنا جير اليلايم جير
إذ أن كل التصريحات التي يهلوس بها مسؤولونا المتزيون بزي السياسة، والبيانات التي يصدرها أولو الأمر والنهي والبت والحكم، والإدلاءات التي يهذي بها ماسكو زمام البلد إدارة وقيادة، رأسا وأركانا ومفاصل، هي مسبقا جعجعة و (رن استكاين) لاغير، أما الطحين والشاي، فالأول مأكول منذ حين، والثاني مشروب على أرواح الأحياء من العراقيين قبل الأموات منهم، والآكلون قطعا والشاربون في جنات ونعيم ووادٍ غير ذي صلة بالمواطن المضيم.
وكما يقول مثلنا: (الناس ماكلتنا وشاربتنا) على ما يحويه بلدنا من خيرات وثروات كفيلة بجعل حياتنا مرفهة حد الترف والبذخ، إذ من المفترض بعد ان عمت الديمقراطية والفدرالية عراقنا ان يرفل سكانه بالخير والرفاهية، مادامت تجري من تحتهم أنهار النفط.
لكن، في حقيقة الأمر، أن أغلب من اعتلى كراسي المسؤولية في هذا البلد، لم تأتِ به وطنيته، ولم يرتقِ سلم الوظيفة عن اقتدار ومهنية، ولم يكُ للتكنوقراط حرف في أبجدية مؤهلاته للمنصب، كذلك لم تدفعه للترشيح خصلة من الخصال الحميدة المعهودة بالمواطن البسيط فضلا عن المسؤول والقائد والرئيس. من تلك الخصال؛ الحرص على مصلحة البلد، التفاني في خدمته، تقديم الأفضل من الأعمال، والأنجع من الحلول، والأجود من المعطيات، والأجدى من البرامج.
كل هذي الخصال كانت بعيدة عن المرشحين في الدورات السابقة بعد زحل عن ساحة الأندلس.
أما الخصال التي لازمت سلوكهم حد التطبع، والتي تميزوا بها عن جدارة وكفاءة منقطعة النظير، فأظنها تلك التي ذكرها بول برايمر بُعيد سقوط نظام صدام، إذ نعتهم الرجل بحيادية تامة، وأنصفهم حقهم في التشبيه والوصف، بعبارات صريحة تجسد فيها مثلنا القائل: (ينطي كلمن طينته بخده) وذلك في وصاياه ونصائحه التي أسداها إلى (جون نيغرو بونتي) قبيل التحاق الأخير سفيرا لأمريكا في بغداد. وسأمسك جانب الاختزال فيما قاله برايمر فيهم، وأسردها باقتضاب ليس تجنبا للإطالة فحسب، بل لأن ذكر القليل عنهم يعطي كامل الشرح والتوضيح، فهم أشهر من نار على علم، أو بالأحرى (أشهر من علم على بيت دعارة).
يقول العم برايمر لنيغرو بونتي ناصحا:
- إياك ان تثق بأي من هؤلاء، فنصفهم كذابون والنصف الاخر لصوص.
- مخاتلون لا يفصحون عما يريدون ويختبؤون وراء اقنعة مضللة.
- يتظاهرون بالطيبة واللياقة والبساطة والورع والتقوى، فيما الصفات الغالبة فيهم هي: الوضاعة والوقاحة وانعدام الحياء.
- احذر أن تغرك قشرة الوداعة الناعمة، فتحت جلد هذا الحمل ستكتشف ذئبا مسعورا، لا يتردد من قضم عظام أمه وأبيه، ووطنه الذي يأويه.
- حاذقون في فن الاحتيال، وماكرون كما هي الثعالب.
- يجيدون صناعة الكلام المزوق وضروب الثرثرة الجوفاء، ما يجعل المتلقي في حيرة من أمره.
- فارغون فكرياً وفاشلون سياسياً، لن تجد بينهم من يمتلك تصوراً مقبولاً عن حل لمشكلة، أو بيان رأي يعتد به.
- يعلمون علم اليقين بأنهم معزولون عن الشعب، لأنهم منذ الأيام الأولى التي تولوا فيها السلطة، أثبتوا أنهم ليسوا أكثر من مادة استعمالية وضيعة في سوق المراهنات الشخصية الرخيصة.
- يؤمنون بأن الاحتيال على الناس ذكاء، وأن تسويف الوعود شطارة، والاستحواذ على أموال الغير واغتصاب ممتلكات المواطنين غنائم حرب، لذلك هم شرهون بإفراط تقودهم غرائزية وضيعة، وستجد أن كبيرهم كما صغيرهم دجالون ومنافقون، المعمم الصعلوك والعلماني المتبختر سواء بسواء، وشهيتهم مفتوحة على كل شيء؛ الاموال العامة والاطيان، واقتناء القصور، والعربدة المجنونة، يتهالكون على الصغائر والفتات بكل دناءة وامتهان، وعلى الرغم من المحاذير والمخاوف كلها، فايإك أن تفرّط بأي منهم، لأنهم الأقرب إلى مشروعنا فكراً وسلوكاً، وضمانةً مؤكدة، لإنجاز مهماتنا في المرحلة الراهنة، وإن حاجتنا لخدماتهم طبقا لاستراتيجية الولايات المتحدة، مازالت قائمة وقد تمتد إلى سنوات أخرى قبل أن يحين تاريخ انتهاء صلاحيتهم الافتراضية، بوصفهم (مادة استعمالية مؤقتة) لم يحن وقت رميها أو إهمالها بعد.
هذا ما قاله برايمر بحق من صادفهم من حكام العراق عام 2003، وهم أنفسهم المتواجدون اليوم في الساحة العراقية، كذلك هم أنفسهم الذين ستلدهم أرحام صناديق الافتراء المقبلة، وستلفظهم حتما في الآتيات من عمليات الانتخاب، مادامت صناديق الاقتراع تشبه الى حد كبير (كاروك...).