“اعمل ليومك وكأنه آخر يوم في حياتك، فأحدها سيكون كذلك”
مقولة فيها من الموعظة الكثير، وتتضمن التحذير والإنذار والحث والنصح، ولعل فحواها شجعني على إتمام مشروع كنت قد شرعت فيه منذ سنتين، إلا أن الساعات الأربع وعشرين اليومية، لم تكفني ولم تسعفني على المضي فيه نحو الكمال، وها أنا أعود الى حجر أساسه لأكمل ماتوقفت عنده.
ذاك هو مشروع جمع مقالاتي وطبعها في سلسلة كتب، وقد قال لي أحد القائمين على هذا:
عليك ان تبوِّب موضوعاتك حسب نوعها، والغاية التي كُتبت لأجلها..
أقول:
معلوم ان إنشاء أي مقال او أية مادة إعلامية مقروءة كانت او مرئية او مسموعة، يتطلب من كاتبه مقومات عدة ليضمن وصول مايهدف اليه أمام أنظار القارئ والناظر او الى مسامع السامع، وفي صدارة تلك المقومات وحدة الموضوع.
إذ تعلمنا ان تحديد موضوعنا ووضعه داخل إطار اهتمامنا، يعد حجر أساس للمقالة اوالبحث اوالتحقيق اوالخبر الصحفي الذي نروم إنجازه، ومن داخل ذاك الإطار نتنقل بين جوانب الحديث، ونتناول ما يسهم في إيصال الفكرة والغاية من طرحها، وبهذا نضمن ان لايتشعب الموضوع ويتميع الهدف ويتوارى عن القصد من جملة العمل الإعلامي.
وبما ان الشـأن العراقي في كتاباتي هو الهدف والقصد، وفي ذات الوقت هو الوسيلة والحجة، فأني بوضع حجر الأساس لأي سطر من سطوري هذه، أشعر باني عراقي بأضعاف كثيرة، تربو على الثلاثين مليون ضعف، فانا الكاتب وانا القارئ، وانا القاصد وانا المقصود، وانا الذي أعاني- ولطالما كنت كذلك- وانا الذي أنقل المعاناة، وأنا المرسِل وأنا المرسَل اليه، وأنا الذي أزف البشرى-ونادرا ما أعثر عليها - وأنا الذي أفرح بها.
وبهذا أشاطر أساتذتي وزملائي صياغ الكلمة الحرة والصادقة بأداء خدمة وطنية وإنسانية في كتاباتنا، أرى انها أقل مايمكن ان نقدمه للفرد العراقي.
لكن المعضلة التي تعترض سبيلنا وتقف (سكين خاصرة) في طريق تحقيق غايتنا، هي الآذان التي نقصدها ونطرق بابها، لنريها ماننزفه على الورق من هموم بلدنا وشعبه، إذ عادة ماتكون تلك الآذان صماء، ويتناسب صممها طرديا مع مركزها في البلد ووجاهتها في المناصب، لاسيما تلك التي تجلس وتتربع على كرسي تحت قبة من القبب، اوفي مجلس من المجالس، او تحت وصاية كتلة او حزب يخال ان العراق ملك صرف له ولـ (الخلفوه)، وقطعا من يكون هذا حاله يتبوأ مقعده خلف حصانة منصبه ومرتبه وحمايته وقد يكون مدده من خارج الحدود، واضعا بهذا كتلا كونكريتية بينه وبين رعيته فشعاره غالبا مايكون:
(ياروح مابعدك روح) وهو الذي انتخبه الشعب ليحقق له بعض مابخسه السابقون.
نعم، فمداد أقلامنا ملأ دجلة والفرات، ومع هذا فسياسيونا على مابدا لايجيدون قراءة هموم شعبهم، في وقت هم ملزمون على أداء ما منوط بهم من واجبات، في إزالة همه وتوفير سبل العيش الكريم له، وهذا قطعا من صلب واجبهم.
وعود على بدء، فأنا ملزم بوحدة موضوعي في كل عمود وسطر أنزفه، والتزامي هذا مزدوج، فهو مهني وانساني في آن واحد وآنية واحدة. لكنني في حقيقة الامر أعاني حين أبحث عن وحدة لموضوع العراق، فهو بكل همومه وأحزان شعبه، بأفراحهم وأتراحهم، بأمنهم وقلقهم، ببناهم التحتية ومشاكلهم السياسية والاقتصادية والخدمية، بالعاطلين عن العمل، بانواع الخلل والفسادات المالية والإدارية، الى استشراء الرشاوى، الى تدهور الكثير من الشؤون العراقية، كلها تجتمع في موضوع واحد، ليس بالإمكان تجزئته، فالإنسان العراقي هو وحدة واحدة لاتتجزأ، لذا فمن الصعب ان يكون موضوعي متعلقا بشأن عراقي دون باقي الشؤون، او بعراقي دون الباقين، ولا أظن ان هناك فرقا بين كاتب وقارئ، فالكل يعيش بين أحضان دجلة والفرات، والكل يستنشق هواءه الـ (عذيبي) فينعم به، وإذا كان (شرجي) فالكل يصدع رأسه على حد سواء، وبهذا تكون وحدة الموضوع في عراقنا متداخلة ومتشابكة وليس بالإمكان تجزئتها.