ما لاشك فيك أن الموت حقيقة واقعة ومحطة لامناص من المرور بها، بعد إتمامنا المحطات الفانية في حياتنا، وهي حتما ليست نهاية المطاف، بل تعقبها المحطة النهائية والأبدية، وقد قيل في هذا:
الموت ماعف عن عبد ولا ملك
كالنهر يجرف الأقذار والذهبا
وكلنا يعلم اننا اذا متنا انقطع عملنا إلا عن ثلاث، وقد صدق نبينا حين حدد هذه الأعمال بقوله: صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له.
وبذا يتوجب على من يتمكن من أداء واحدة من هذه الثلاث أن يعملها، لاسيما إذا كان مقتدرا على فعلها اقتدارا ماديا، او كانت له سلطة او نفوذ في جماعة، كأن يكون مسيّدا بينهم او موكلا من قبلهم في البت والامر والنهي في امور حياتهم.
هنا في عراقنا الجديد، يتخذ أمر المسؤولين والقائمين على أمور الرعية منحى آخر، اذا أردنا الكلام عن الصدقة الجارية والعلم المنتفَع به والولد الصالح. فمن المسلمات قبل كل شيء ان يؤدي كل راعٍ ومسؤول ما أنيط به من واجبات على أتم وجه، ورحمه الله إذا عمل منها عملا صالحا وأتقنه.
وأظن الأرضية التي يقف عليها العراقيون خالية من مثل هذه الأعمال إلا ماندر، فمسؤولونا لا يأبهون لتبعات خطواتهم إلا بقدر مايفيدهم ويعود عليهم بالنفع، وما فتئت أنانيتهم تتناسل حقبة بعد حقبة، وجيلا إثر جيل، وأبا عن جد، وما بدلوا تبديلا.
والحديث يطول اذا أردنا عد الوزارات والمؤسسات التي تشكو إداراتها السلبيات والتلكؤات، إذ من المعلوم ان هناك تسلسلا هرميا لكل مؤسسة في الدولة، تتوزع بين منتسبيها مهام أي مشروع او عمل سواء أصغيرا كان أم كبيرا!
وتكون حين ذاك المسؤولية مشتركة، مع ان المسؤولية تطّرد مع درجة المنصب من حيث المتابعة والتدقيق والحث، وكذلك الثواب والعقاب.
ومن باب أن التذكير عمل صالح -إن نفعت الذكرى- فإني أستذكر في سطوري هذي واحدا ممن تركوا صدقة جارية، ظل الملايين ينهلون من ريعها بعده.
فقبل أربعة أعوام، رحل عن عالمنا رجل من رجالات القرن العشرين، شهد له الجميع بمواقفه النبيلة حيال قضايا شعبه وأبناء بلده، تلك المواقف التي سمت بقيمتها ورقيها، حتى صارت منارا تستنير به شعوب غير شعبه وبلدان غير بلده، وهو بهذا حقق من الأعمال أحسنها ومن الآثار أطيبها. ذاك هو نيلسن مانديلا، الذي كانت وفاته يوم 5/12/2013.
ولو استذكرنا كيف كان رد فعل شعبه حين تلقى نبأ وفاته، لتجلت أمامنا الصورة التي رسمها مانديلا لنفسه، من خلال أعماله وسيرته ونهجه في حياته لاسيما السياسية منها.
والحديث عما فعله شعبه أمام منزله ليلة وفاته مؤرخ وموثق في مواقع إلكترونية عديدة، ولمن لايعرفه فالعم Google كفيل بإيضاح هذا بإطناب.
سؤال قد يجد بين سطوري هذه حيزا صغيرا، وفي بلدي حيزا أوسع على أرض واقعه الذي بلغت به الترديات حدا فاق كثيرا من الدول النامية، بل والمتخلفة التي تفتقر الى الموارد والثروات الطبيعية منها والبشرية. سؤال كان حريا ان يوجهه الساسة في العراق والمسؤولون في مؤسساته الى أنفسهم، وعليهم الإجابة عليه حتى لو كانت مع أنفسهم وفي سرهم.
إذ من غير المعقول ان يرى سياسي صنيعة يديه في بلده، أو نتائج قرار كان قد اتخذه مع أبناء جلدته، ومن وكّلوه في إدارة شؤونهم، ولايراجع سلبيات ذاك العمل او القرار.
ومن غير المعقول أيضا ان يلمس وزير او وكيل او مدير في وزارة من الوزارات نتائج سلبية وترديات في وزارته، من جراء سوء أدارته او إهماله من دون ان يفكر بما ستؤول اليه وزارته من مكانة تسجل في تاريخها وتاريخه.
سؤال لو كاشف المسؤولون في عراقنا أنفسهم به على طبق الصدق والشفافية، واستعرضوا ما قدموه للعراق وللعراقيين، لكان وكانوا في وضع غير الذي يعيشونه اليوم، وحال غير الذي يسوء بهم يوما بعد يوم. فهلا سألتم أنفسكم ياساسة العراق ومسؤوليه هذا السؤال:
أين نحن من مانديلا؟
ولِمَ يكنّ شعبه له الحب الكبير حتى بعد وفاته؟