هاهو العيد قد أسدل ستاره.. وانقضت أيامه بشكل او بآخر، وودعه العراقيون وهم بين مكذب ومصدق، أكان عيدا بحق.. أم بقايا عزاء..!
فمظاهر الأعياد ليست كالتي عهدناها نحن العراقيين قديما، إذ شابتها مداخلات كثيرة، غيرت صبغتها الوردية الى ضبابية معتمة، وسط فقدان مفردات أولها الأمن والأمان.. اللذان باتا حلما وأمنية لايدري العراقيون متى تتحقق بالتمام والكمال؟!..
مضت أيام العيد وبعض منا عاش لحظاته مليا بكل ماحملت له بشائرها، فكان بها طعم مميز.. استذوقه مستعذبا حلاوته.. وهناك من مر عليه العيد مرور الكرام، وهناك من بخل عليه العيد حتى أنه لم يسلم عليه بالإشارة، فلم يصطبح في صباحاته بغير مااعتاد عليه باقي أيام السنة.
وبين ذا وهذا وذاك.. يرقد أمل ضعيف للقادم من الأيام، لا يقوى على إعلان وجوده على الأفق المنظور، بعد أن لفّته ريبة وتوجس فصار أقرب الى اليأس منه الى الأمل.
لقد مضى العيد الكبير ولم يدع خلفه من أفراح صغيرة غير ذكرى بسمة -لمن حظي بها- أما أتراحه الكبيرة فقد ترك منها بقايا دمعة.. ستتجدد مادامت مقومات الحزن قائمة في أركان البلد على قدم وساق، ولم يعد أمل استبدالها بمقومات الفرح عند العراقيين إلا بالله، وكأنهم جميعا رددوا في يوم عرفات بيت المتنبي:
عيد بأية حال عدت ياعيد
بما مضى أم بأمر فيك تجديد
مضت أيام العيد بتواصل العائلات العراقية المنقوص، حيث شهد غياب كثير من الأحباب والأقارب والأصدقاء، فمنهم المهاجر.. ومنهم المهجّر.. ومنهم النازح.. ومنهم الجريح الراقد في مشفى.. ومنهم الغائب عن ساحة العائلة.. تلبية لنداء الوطن في سوح الوغى.. ومنهم المغيّب على أيدي قوى الشر والضلالة..
أما الحاضرون فقد أدوا واجبات التزاور المفروض وتبادلوا التهاني شفويا من باب: (حجاية التنكال)، وهم مشغولون بالحديث عما آلت اليه أوضاع بلدهم لاسيما الأمنية والسياسية، ولم يخرج حديثهم عن أطر محددة اشترك فيها الكبير والصغير، لعل أبرزها؛ الوضع السياسي، الحقيبة الوزارية، الحالة المعاشية، الكهرباء، شبكات الهاتف، الاختناقات المرورية، جاك الذيب.. جاك الواوي..
والقائمة لاتنتهي لو عددنا مشاكل المواطن ومعاناته اليومية على مدار الساعة، وبات لسان حاله يقول:
حتامَ أخرج من ياس إلى ياس
وكم أذوق وأبقى طافح الكاس
لا أبلغ الذروة العليا على قدمي
حتى أنكس للوادي على راسي
وعلى شح الفرحة وغياب الابتسامة، طوى العراقيون ما يسمى عيد الأضحى بعد أن حُسب عيدا عليهم، وبدأوا على مضض مشوار ماراثونهم اليومي المعتاد، في البحث عن أشياء كثيرة هي في حقيقة الأمر من أبسط حقوقهم في بلدهم، الذي ينعم بالخيرات والثروات، وهم يرددون مشككين:
"كل عام واحنا بخير..!!".