لا شك ان للحروب اثارا كثيرة وابلغها تلك التي ترسم ندوبها على وجوه الشعراء. ينتابني قلق آسر على الدوام وأنا اطالع نصوص الشعراء الشباب، لا ريب ان الحرب قد شوهت كل شيء وأغلقت كل النوافذ امام تطلعاتهم، من هنا تأتي نصوصهم صادمة وصارخة بأعلى نبرة الوجع الانساني لتعلن عن احتجاجهم ضد قيم القبح. الشاعر العراقي كرار حداد في نصوصه هذه وفي غيرها يشكل نموذجا لما طرحناه. ويدفعنا الى التساؤل معه: هل حياة هذه التي نعيش فصولها أم انها حفلة تنكرية بأقنعة الزيف والفقد واليتم والهجران والخيبة واليأس؟ هل حبل غسيل هذا الممتد على سطح بيتنا اليتيم ام حبل مشنقة للاماني؟
اسئلة كبيرة وحيرة اكبر، نعم ان للحروب اثارا بليغة، وحسبنا ما جاء في استذكار الشاعر بابلو نيرودا لصاحبه وهو يصفه قائلا بمرارة "ان الحرب العالمية الاولى قد تركت بول ايلوار بيدين مرتجفتين دائما".
---------
قصيدتان: كرار حداد
(1)
مرحى صديقي المكرر
أهلاً ايها الغد الغبي
مرحبًا آسنة
تُشبهُ عمري المستنقع
أتذكرٌ يوم انسكبنا هنا طويلاً
منذ ذلك اللحن
ونحن ندندن ُ الموتَ
اعراساَ موجعة َ
نحن الذين سقطنا عنوُةَ
في فم الحياة
انظر الى العشرين من عمري
كسحابةِ حزنٍ
لا تفضي الى قطرةِ فرح
وكيف للغيوم
ان تمرَ فوق وطنٍ
لم يجمع عاشقين
في إصبوحةٍ ماطرةٍ ؟
او حتى ان يمنحَ الطّيور
فرصة للغناءِ
انها كارثة عظمى
ان تعيشَ في الوطن
الذي لا يأوي بيتا واحدا
أتذكرُ
يوم انسكبنا هنا طويلاً
عند الشوارع القديمة
والايتامْ والاراملْ
حينها ترك ابي كتابهُ
وانشغل برسالة الخبز
امي ذاتها
لم تألفْ التفاحَ يوماً ِ
مع هذا هبطنا بلاِ سبب!
ها أنذا بعد عمر من السقوطِ
وقمم خاوية
افكر بترويض الحصان
الذي يهرولُ في رأسي
والذي يدُعى الذاكرة
او ان اجملَ صورة المعلمةِ ليلى
التي طالما حذّرتني من الذئب
ولكن ليس
سوى درسَها الخصوصيِ كان
ينهشْ لحمنا
كذلك صورة المنارة
التي تطلُ على بيتناِ الملحد
تُرى من يعُيدنُي الى نسختي الاولى
او ينتشلني من حياتي
من هذه الحفلة التنكريةِ
التي لم اتعرف بها على
أحدٍ الى الان ؟!
___________
(2)
لَمْ اكنْ اتصورُ يَوماً
إنّ لأمي شبيهٌ
إلا بعدَ ان فارقَ الحياةَ وطني
كلُّ الاماني التي نشرتها
على حبلِ المشنقةِ لمْ تجفْ بعد .
جارتي لم تتعرفْ على
عيسى بأحلامها
ومع ذلك كانت
تَنجبُ كُلَّ يومٍ حُلماً
عسى ان يهتزَ لها ضميرُ الناسِ
كرهت حياتي ولا اتذكرْ منها
سوى تلك الاثارِ التي صَنعتْها
امي فوقَ رغيفِ ذاكرتي
وها انا الان..
هيكلٌ فرعوني
أكلَ عينيه الخوفُ ..