الفهلوة ولعب (الثلاث ورقات) و(الرزق يحب الخفـّية) في كرة القدم لا يمكن أن تفضي بك إلى إنجاز أو مكسب حتى لو كان لها مفعول التخدير المؤقت في بعض الأحيان .. والأشقاء المصريون يقدمون الدليل الناصع والفصيح والبليغ الذي يعدّ بديلا لأسلوب الفزعة في البناء ، وفي الصبر على الإنجاز حتى يأتي يوم تحقيقه وسط الصخب!
المدرب الأرجنتيني هيكتور كوبر جاء إلى مصر من واقع تجربة طويلة في دول كثيرة، وكان صدامه الأول مع الصحافة المصرية التي لا ترحم، وهي القادرة في العادة على إنزال أكبر نجم من علياء شأنه إلى أسفل سافلين .. وكانت بعض العثرات المتفرقة في مواضع مختلفة سببا في هجوم متواصل على كوبر في مواقع التواصل الاجتماعي التي وظفت خفة الدم المصرية المعهودة لإطاحة المدرب والخلاص منه مرارا خلال التصفيات المؤدية إلى كاس العالم!
ولأن في اتحاد الكرة المصري رجالا لم تتم صناعتهم في دهاليز الفيسبوك أو الفرض بالنفوذ السياسي أو قوة السلاح ، فإنهم لم يرضخوا لمنطق الخلاص من المدرب في هذه الفاصلة او تلك ، وكان لدى هؤلاء العزم الأكيد على أن يواصل المدرب الأرجنتيني عمله، فلقد كان تعيينه في البدء اختيارهم دونما ضغوط، وعليه كان يجب التحلي بقدر كاف من التريث قبل أي قرار يتعلق بمصير المدرب، ومن ثم منتخب الفراعنة برمته! بالنتيجة، كان الاتحاد المصري لكرة القدم على حق في صبره وانتظاره وتريثه، ومنذ مساء الأحد تحوّل رجال الاتحاد إلى أبطال حقيقيين تؤلف لهم الأناشيد والأغاني، وصاروا على قدم المساواة مع النجم المبهر محمد صلاح ورفاقه، فالإنجاز جاء جماعيا، يُحسب للاعبين وللمدرب وللطاقمين التدريبي والإداري ولكل من أسهم في وضع مصر على القاطرة المؤدية إلى المونديال!
الفهلوة وسيول البوستات ذما وقدحا وانتقادا عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن إن تحقق إلا الخراب العميم ، وإلا تكرار الخطأ أو الهزيمة، فالمدرب قوي الشخصية الذي يعرف ماذا يريد لا يقدمه الفيسبوك، ولا يزكـّيه تويتر، ولا يتأثر بكم البوستات وتعليقاتها فأصحابها ليسوا دوما على حق، ولا هم يفهمون في الكرة أكثر من المدرب نفسه!
وقد كنت حريصا خلال المدة الأخيرة على أن أرصد كل هذا الجزع من المدرب في الصحافة المصرية التي قالت في كوبر ما لم يقله مالك في الخمر .. ولكن الرجل وجد في الاتحاد قرارا قويا ، وسندا دائما، وإيمانا راسخا بأنه يجب أن يستمر في المهمة حتى لو تعثر .. ولولا صبر الاتحاد وبعد نظره، ولولا أن مجلس إدارته قادم إلى قيادة اللعبة من قاعدة رصينة وماض غني لما كان قادرا على الصمود في وجه موجات النقد العتية!
أبارك لأحبتنا أشقائنا المصريين تأهلهم بعد غياب 27 سنة عن المونديال، وهي مناسبة لكي أعزّي نفسي في هذا التيه العجيب الذي تعيشه كرتنا وسط التخبط والمحسوبيات والمنسوبيات وغياب أي مفهوم للإنجاز، والعمل على الإنجاز!