مذ قراءتي الأولى لديوانه البكر (حصن البكاء) وجدتني منشداً للنص الشعري الذي يكتبه الشاعر وسام التائه، كونه مليء بتوغلات شعرية تتناقض وكون هذا الديوان هو الأول، ففيه من القصائد ما يجعلك تصفق له بداخلك لعذوبة المفردة وجمال الصورة الشعرية.
من وجهة نظر انطباعية أرى ان المرئي والملاحظ في النص الشعري الذي ينتجه وسام التائه هو الاعتماد على تقريب القارئ او المتلقي بصورة عامة من فحوى القصيدة دون الذهاب بعيدا في مجال التعقيد والتشفير او التوغل في ثيمة (اللف والدوران) بالنص عبر انتقالات انفعالية كما يفعل بعض الشعراء. والمتابع للقصيدة التي ينتجها التائه يلاحظ وبسهولة اتجاهه نحو تطبيق المنطق الذي تحدّث به (برناردشو) والمتمثل في عبارته الشهيرة (اللا قاعدة هي القاعدة الذهبية) أي بمعنى إن النص الشعري لديه يعتمد على العشوائية في تطبيق الفرضيات الشعرية، مع الاحتفاظ بالتقاليد الشعرية التي تتغير من شاعر الى آخر وبحسب المجتمع المحيط به، وتلك حقيقة لا يمكن بأي حال إغفالها أو تجنبها في الطرح، وهذا لمسته عنده. يحرص الشاعر وسام التائه على توفير المدلول الخاص به، واعتماد مفردات قريبة من بيئته ومجتمعه وموروثه الشعبي، محققا بذلك خصوصية له ولوطنه، وهذا الواقع نجده واضحا للعيان في اكثر من نص، ففي قراءة لكل نص شعري ينتجه الشاعر ستجد المدلول يحتوي على مميز يدل على موطن او بيئة او موروث خاص به، ومع إنه (كشخص موهوب) حصل على حريته وتحرره في الكتابة‘ إلا إن فحوى النص هو المقصد لديه ولغة التحدي كانت واضحة رغم تواجده في منطقة القامع الديني والاجتماعي.
ومن مميزات النص الشعري الذي يكتبه وسام أيضا إن الصورة الشعرية تبقى ضمن محور الفعل الدرامي للقصيدة وخصوصا في حال كان النص (كتجنيس) ينتمي للتفعيلة، كون هذا الجنس الشعري يسمح بانتقالات واسعة، قابلة لاحتواء الانفعالات، وتوثيقها عبر المفردات التي رصّها الشاعر أثناء مراحل إنتاج النص، حيث تبقى الذات تخاطب نفسها وتحاول قدر الإمكان إثبات و جودها ككائن له مميزات خاصة منحها إياها الرب.
الميزة الأخرى التي يتميز بها النص الشعري في ديوان (حصن البكاء) هي الشجنية والروح المكبوتة من خلال الدعوى الى من فك القيود والتحرر من التقاليد البالية التي تعتلي ناصية المشهد الاجتماعي في الوطن، والذي يحتوي صوراً عدة من القهر والاضطهاد والإذلال لشخصية المواطن العراقي، وهذا الجانب تحديدا يجده المتلقي في اغلب النصوص، وليس هنالك مناطق محددة له.
وفي الختام عليّ أن اقرّ بصعوبة الخوض التفصيلي في المساحة الكاملة للنص الشعري المنتج من قبل الشاعر وسام التائه فهناك حالات أخر تحتاج لناقد متمرس يمكنه استدعاءها، كونها تنتمي لملامح لا تشبه ما تطرقت اليه هنا، واعترف ايضا بانه قد صادفتني أثناء رحلة البحث الكثير من النصوص التي أعجبني عمقها، وحركت بي الكثير من المشاعر والانفعالات. كما ان هنالك كثير من النصوص كانت تحمل في ثناياها قضايا اخرى، من الممكن التوقف عندها طويلاً، لكني لا أريد أن اذهب الى ابعد من ذلك، على أن أعود اليها بدراسة أخرى تختلف عن ما أردت الخوض فيه هنا.