قراءة في ”تلالي تضيق بعوسجها” مجموعة شعرية جديدة
للشاعر عمار الجنيدي
عندما نكتب الشعر، ننجو من صحراء الموت، ومتاعب الحياة التي لا تنتهي، قد يكون الشعر سجل أرواحنا النقية الصافية.
فأمام هول ما يحدث في هذا العالم من خراب وموت وقتل ودمار كلها تشهد على وحشية الأنسان وعدميته. ولكن بالرغم من هذا، لابد من عزاء لنا في هذا العالم الموحش، لا بد من كتابة الشعر، في زمن جفت فيه أرواح البشر وتجمدت فيه عيونهم على شاشات الدماء والفتن.
لا أجيد فلسفة الشعر ولا نقد الشعر.
لكن العالم بكل مافيه من لغة شاعرية تكشف نفسها بنفسها وترسم ملامح تكوينها اللغوي في صياغة مشاعرنا وأدراكنا لهذا العالم المتغير.
ومن هنا نشعر بأهمية الكلمة وقوتها الحقيقية في تشكيل ذائقتنا الشعرية. وقد تكون تجربة عمار الجنيدي في ديوانه الجديد "تلالي تضيق بعوسجها" والعنوان بدلالته الغنية تؤكد بأن هناك علاقة ما بين ضيق الروح وضيق الحياة التي نعيشها وكأني أرى التلال هي ذاك القلب الواعي على هذا العالم المحيط بنا بكل مافي من قلق ودمار.
فهل لنا أن نعتبر أن دلالة هذ العنوان هي تعبير عما يشعر به الشاعر وما يحيط به في هذا العالم من تحولات سواء على الصعيدالعام أو الخاص.؟
في ديوان "تلالي تضيق بعوسجها" اشارة إلى حالة الشاعر سواء كما ذكرت على العام أو الخاص وفي تماهٍ شعري، أراه يرى الحزن والهموم التي تضيق بصدره ما هي إلا عوسج ينمو في القلب وكأنه الأرض التي تمتد جغرافياً على مساحة الأرض ومساحة الروح وقد يكون العوسج ورداَ أو حزناً في القلب.
ولا بد لنا أن نرى دلالة العنوان في معناه اللغوي والنفسي وربما يمكننا القياس عليه فالعوسج هو شجرٌ ينمو في المناطق الجافة والحارة، فهل نقابله بالشعر كمعنى روحي ونفسي إذ يحمينا من جفاف الروح والحياة.
ومن هنا أرى أن هناك دلالا ت عميقة في اختيار العنوان الخاص إذ هو المدخل إلى بوابة القصائد التي تميزت بتنوعها اللغوي والعاطفي وحتى موضوعاتها التي لامست اسقاطات عامة نعيشها اليوم.
إذ يقول الشاعر:
قراصنة الرعب جاءوا
قبيل انسراب الشمس
خلف الأفق الرحيب
كسروا أبواب تفرّدي
ووحدتي،
بعثروا كل كتبي
وبساطيرهم
نفضت غبار الصمت
عن نوافذ خوفي،
بينما أعقاب بنادقهم
تحفر في أضلعي.
أليست هذه الصور الشعرية تمثل صورة الواقع العربي الذي نعيشه من موت وخراب؟
أننا نرى القراصنة في كل مكان على أرض الوطن كما يراها الشاعر ويصورها.
ومن قراصنة العالم.. الذين يخربون حياتنا العامة والخاصة كان لا بد للمكان والتاريخ أن يحضر سواء في فرح أو مراث ٍيقول الشاعر في مرثيته:
لا حزن بعدك
يا عجلون
لا مواويل تحرث حقول الشك بذاكرتي
وكل الأسئلة بعدك صارت
بلا معنى
وصارت الحياة صحراء تملق
وزيف
وبهرجة..
حتى الشعر
لم يعد يغريني.. يا أقحوانة عمري
أنني بدونك
سيف
بلا مقبض
نسر بلا أجنحة
جرس
لا يدقّ
في زمن الصمت العربي
في زمن الانحناء؛
تهزم البطولة
وتجلد مفردات الحبّ،
وتصير أيام العرب
كلّها :
داحس
والغبراء
في شعر عمار الجنيدي الكثير من الصور الواقعية.
نرى اكتمال النص معنىً ولغةً.
نرى فيه الخوف على البلاد والحياة
ولكن الدهشة الشعرية تأتي في نصه الرائع:
الشمس في بلادي
تطلع من كل جهات الأرض
إلا من جهة الحرية.
واعتقد انه بعد هذه الصورة الشعرية لا يمكن أضافة أيه كلمة.