تشهد المملكة العربية السعودية تحولات كبرى تتعلق بمستقبلها، وقد لانعرف الكثير عنها لكنها في الواقع هي الأهم، وأهم كثيرا من الإستراتيجيات الأمريكية والحوادث الجسيمة في المنطقة بالنسبة للداخل السعودي، ولتأثيرات ذلك على العالم وعلاقات المملكة به، وبالدول المحيطة والإقليمية منها وأعني إيران تحديدا التي يتعامل معها القادة الخليجيون بقليل من الهيبة نتيجة التطورات العاصفة التي جعلت من إيران مجرد دولة شيعية تهدد العالم السني الكبير بعد أن كانت إمبراطورية يحكمها الشاه ومتحالفة مع الغرب وأمريكا ويرضخ لها الجميع في الإقليم.
ولماذا أقول.
إن هذه التحولات هي الأهم من الإستراتيجيات الأمريكية المعروفة والحوادث في المنطقة التي تزيد إستعارها المصالح التقليدية أيضا؟ فالواضح تماما إن السياسة الأمريكية ثابتة بإتجاه ضمان المصالح الكبرى، والنفوذ، وتدفق النفط، وبيع السلاح، وإستمرار حالة التفوق العسكري في العالم، وضمان أمن إسرائيل، بينما الصراع مع إيران مستمر ومتصاعد وتقليدي على مدى العقود الثلاثة الماضية، والحوادث في سوريا والعراق واليمن هي جزء من صراع النفوذ والهيمنة والمصالح الكبرى. لكن مايجعل التحولات في السعودية هي الأخطر والأهم هو تأثيرها في تلك الإستراتيجيات والسياسات والحوادث تبعا للعقلية الحاكمة والملهمة للقرارات الكبرى، فالمملكة العربية السعودية كانت تقليديا تعلن بعد وفاة كل ملك قيام ملك من الأسرة مقامه، ويكون بعمر متقدم عادة، وقد يكون في الستين، أو السبعين من عمره، ويقود البلاد بهدوء، ويكون هناك تأثير للمحيطين به من الكبار. بوفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز، وتسلم الملك سلمان الزمام صار واضحا إن السعودية تشهد صعودا لجيل مختلف ضمن عائلة الملك سعود وهو جيل شاب طامح متاثر بالغرب، وبعضه مدفوع بالفكر الديني المتشدد وهو نوع من الصراع قد يتوضح اكثر في السنوات القليلة القادمة بينما تتيح الظروف الفرصة لمحمد بن سلمان وهو ولي ولي العهد ليقود البلاد فعليا، فاملك سلمان يكتفي بزيارات وإستقبالات بروتوكولية، بينما ولي العهد لايقوم بكثير من المهمات وربما يحتفظ ببعض الحضور، وتبدو الأمور كلها بيد الأمير محمد بن سلمان، والوقائع تشير الى إنه هو الملك الفعلي للسعودية. الأمير محمد هو من يشرف على قيادة العمليات العسكرية في اليمن منذ إنطلاقها قبل عامين، وهو المسؤول عن التحرك العسكري والدبلوماسي في المنطقة العربية والإقليم، وهو الذي زار الولايات المتحدة بعد تولي الرئيس ترامب وليس الملك سلمان، وهو الذي عين معظم القادة، أو بإستشارة منه في المواقع الحساسة المدنية والعسكرية وفي القطاع الإقتصادي، وهو الذي يتحرك نحو أوريا وآسيا، ولديه رؤية إقتصادية متعلقة بمستقبل السعودية ومعه العديد من شباب الأسرة الحاكمة، وتنصيبه ملكا على البلاد مسألة وقت لاأكثر، بينما ولي العهد فإنه ولي العهد طالما إن الملك سلمان مايزال على قيد الحياة ولكن حين يحين الرحيل فسيكون الملك هو الأمير محمد بينما ولي العهد فلن يكون له من نصيب، ولكل حادث حديث. تلك التحولات المهمة تتعلق ببنية الدولة السعودية، ونوع القرار والحاكم، ومايمكن أن يتخذ من قرارات يمكن أن تكون قطارات بلاكوابح تسير على سكة ممهدة على العكس من الماضي البعيد والقريب لنوع الأسرة الحاكمة والملك وسياسته، فالملك القادم هو محمد فتى نجد.