في مطلع مايو يتجدد موعد العراقيين مع الصيف، وفي مثل هذا الوقت من عام 2016 كنت في العاصمة الفرنسية باريس، كان المطر يهطل على الساحة المقابلة لمتحف اللوفر، وكانت المظلات هي الحل، وبينما كان شاب يقبل صديقته من شفتيها لم أجد سوى صديقي عماد لأحضنه وأضحك معه، وعلى نهر السين كان المطر يداعب الأشجار على الضفتين، بينما يغسل الشوارع، ويكلل البيوت والشقق المتجاورة، ويصيب الأعشاب والنجيل الأخضر بالتعرق، وحينها كانت بغداد تستقبل أشعة الشمس الحارقة لتأذن بموسم الللهيب والعذابات.
يغير الناس عاداتهم في الملبس والمأكل والمشرب مع كل موسم، فليس الصيف كالشتاء وحين يمكنك أن ترتدي ماتشاء في ديسمبر ويناير وفبراير، وحتى مارش ونيسان الى حد ما لايعود ذلك ممكنا مع قدوم الصيف. فالثياب الخفيفة والشفافة هي الحل بالنسبة للرجال وللنساء، ولايعود طلب المشروبات الساخنة مفضلا لدى العراقيين، ويتحول الجميع الى المياه الباردة والمرطبات والعصائر وكل مايعوض الكميات الكبيرة من الأملاح التي يفقدها الجسم بسبب التعرق، وحتى الطعام. فما يلائم الشتاء لايعود مرغوبا به في الصيف. أول مايفكر به العراقيون ليس السباحة والمنتجعات والأماكن السياحية والذهاب الى الجبال، فالصحراء هي التي تطبع حياتهم، ويبدأ مشوار العذاب مع الكهرباء التي تشكل العامل الأهم في تخفيف المعاناة لأنها توفر ضمانات لتشغيل المكيفات والمبردات الهوائية والثلاجات التي تحفظ الطعام والمشروبات المثلجة، والهدف الأساس هو تجاوز محنة الحر، فالإرتفاع الحاد في درجة الحرارة لايترك مجالا للتحمل، ويفقد الناس أعصابهم الى درجة التذمر والإحتجاج، وقد خرجت بالفعل تظاهرات تكررت خلال السنوات الماضية بسبب نقص في إمدادات الطاقة، وصار طبيعيا أن تنقطع الكهرباء لساعات طويلة ولأيام، ويحاول المواطنون تعويض ذلك النقص بشراء الكهرباء من متعهدين وتجار يضعون مولدات عملاقة تسبب الضوضاء والتلوث وسط الأحياء السكنية لتؤمن التيار الكهربائي، وتعوض ساعات القطع.
يجري الحديث بقوة هذه الأيام عن فشل وزارة الكهرباء في الإيفاء بإلتزاماتها، وهناك نية لخصخصة قطاع الكهرباء، وهذا مادفع مواطنين وسياسيين الى الرفض والإحتجاج.
بل وصار ذلك مادة إنتخابية لبعض السياسيين المراهقين، فهل إن خصخصة الكهرباء هي الحل، أم أن نظل ننتظر مايمكن أن تقوم به الوزارة من تعاقدات مع شركات عالمية لبناء محطات توليد جديدة وهو أمر صعب للغاية بسبب التكاليف الباهظة، وحجم الفساد الذي يضرب الدولة العراقية، ويحطم آمال الناس بظروف أفضل.