كنت أتذمر من الحر الشديد والرطوبة العالية، وفي المنزل كانت نداءات الإستغاثة تصلني من الصغار والكبار، نريد الماء، نريد الكهرباء، نريد الحياة، ولاحياة، فياجماعة الخير إن هم إلا عصابات مجنونة تنهب المال العام وتنقله الى الخارج، بينما يتحول الكثير منهم الى منتجعات أخرى ليستأنسوا وأسرهم بالأجواء المنعشة، والحياة الهانئة، والتغيير في المزاج ومع إشتداد موجة الحر وإنقطاع المياه الصالحة للشرب، وإنعدام خدمات الطاقة الكهربائية فإن مشاعر الغضب تتحول الى شعور باليأس والإحباط والحاجة الى فعل شئ ما للإنتفاضة من أجل الكرامة الشخصية والحصول على النزر اليسير من الحقوق المهدورة لحساب مجموعات صغيرة من المتنفذين والموصوفين بالسياسيين، وماهم بسياسيين ولاعلاقة لهم بالسياسة، بل هم أبناء الصدفة، ولحظات الحظ الكافرة التي تمنح الصايع والضايع الفرصة ليتسيد الكرام ويحرمهم من حقوقهم المشروعة.
فيكون هولاء كالأيتام على مائدة اللئام.
بربكم ماالذي تحقق حتى اللحظة؟
لم تنضج فكرة قيام مؤسسة سياسية، وصرنا نعتمد على المسلحين لتثبيت الوضع ودفعه الى إستقرار لن يتحقق على المدى المنظور، فالأمور ماضية الى مواجهة بين فئات دينية وعرقية كلها تبحث عن حقوق وتدعي إن الطرف المقابل يعطلها، ويمنع من الحصول عليها، بينما تقاتل المجموعات الشعبية والعشائر ضد تنظيم ديني شرير بشع يتخطى كل حدود الإنسانية ويستحضر كل الغرائز الحيوانية ليبحث له عن طرائد وفرائس بشرية يقضي شهوته من خلالها ويحقق بغيته السيئة دون وضوح في الهدف ودون غاية تذكر ولايقوم إلا بما يقوم به العابثون والساديون ومصاصو الدماء في العادة، بينما على الشعب المسكين أن يقاتل داعش، ويجاري السياسيين الفاسدين، ويتحمل خطاياهم الواحدة تلو الأخرى التي إستهلكت الوطن وثرواته، ولم تبق له سوى فرصة وحيدة هي أن يعيش نهايته المأساوية.
في واحدة من مناطق بغداد غادر مائتان وخمسة وعشرون شخصا دفعة واحدة وكلهم شباب صغار الى دولة مجاورة ومنها الى أوربا طامحين في الحصول على فرصة حياة، فالعراق لايوفر الفرص، وليس من العدل أن نقول، أن الفرص هي أن تبقى في بلدك وتحمل السلاح الى مالانهاية وتقاتل عدوا شريرا الى مالانهاية وإذا كان هناك من لديه الإستعداد والرغبة للقتال فمن العدل القول، إن هناك من يريد حياة مختلفة، ويبحث عن فرصة في مكان ما خاصة حين تتعطل الفرص، وتذوي وتنتهي وتذوب وتقضي على الحلم الأخير الذي يأمل كل شاب أن يعيشه قبل أن تمضي به السنين.
ولو كان هو موسما واحدا للهجرة فلابأس، والخشية أن نقول، إنها مواسم الهجرة من العراق.