هل كانت اللعبة واضحة الى هذا الحدّ دائما؟ أم أنّنا نعيش فقط لحظة غباء سياسي مطلقة؟!
***
على طول التاريخ كانت هناك مناورات خفيّة للصراع الظاهر، وحيث يقف الرائي المحايد يمكن أن يرى ويتحسّس حقيقة الألوان، أو على الأقل يقترب من حقيقتها، لكن ما يحدث الآن أنّ (السياسي/ الديني) فَقَدَ وجهه الحقيقي، أو أنّه كان بلا وجه أصلاً وتابعاً للضرورة ليس إلا، فالألوان تتداخل حتى تكاد أن تكون الأطراف المتصارعة كلّها بلا لون.
وهذا هو الوجه الحقيقي لصراع الرأسمال.
***
من الغباء أن نتوّقع أنّ ما يحدث على الأرض هو صراع ديني/ طائفي ، بل سنكون سُذّجاً إن آمنّا بذلك، لقد كان الشعار الديني غطاء وفخّاً في نفس الوقت. لقد كان الدين على طوال التاريخ البشري لعبة الإقتصاد والسياسة، دون أن أنسى التجارب الذاتية الخالصة النقاء، البعيدة عن كلّ تجمّع قطيعي .
***
الصراع كان والى الآن صراعاً إقتصاديّاً بحتاً ، إنّه تنافس على النفوذ والإستحواذ ليس إلا، وكما يحدث دائما هناك الملايين من البشر ينجرفون وراء الشعار/ الغطاء، إمّا سقوطاً في الفخّ، أو جرياً وراء الفوائد التي يمكن أن تتاح.
***
لا أنكر أنّ هناك كمية من البراءة في الناس تدفعهم الى الإيمان بالشعارات المرفوعة، وبالتأكيد فإنّ المراهنة على النسبة الإحصائيّة للبراءة والسذاجة والغباء في المجتمع (أيّ مجتمع) هي لعبة السياسي.
***
لكن، أن يصل الحدّ أن يقف جندي الشطرنج الأسود كي يمنع قتل جندي الشطرنج الأبيض فإنّ هذا المستوى من اللعب يُسقط قوانين لعبة الشطرنج كلّها، ويصبح كلّ من يقيم في ساحة الشطرنج محميّاً تماما، ومباحاً تماماً.
***
من الآن فصاعداً على الجندي الشطرنجي الأسود أن يكون حذراً من الجندي الشطرنجي الأسود والأبيض، وكذلك الحال مع الجندي الشطرنجي الأبيض، فكلّ من على الساحة عدو، وكلّ من على الساحة صديق.
***
لم يعد الدين لوناً في ساحة الشطرنج، وعليه فالأطراف المتصارعة يمكن أن تتّحد الآن تحت شعارات أكثر ليونة، لكنّها مدعاة لكثير من القتل أيضا.
***
ومع هذا فإنّ الدين كغطاء يمكن أن يمتد لأبعد قليلاً، فهناك الكثير من البشر في انتظار أن يكونوا ضحايا، فلا حدّ للسذاجة والغباء، مثلما لا حدّ للإنتهازيّة.
***
عراقيّاً، أرى أنّ خروج داعش من دائرة الصراع سيجعل الصراع شيعي/ شيعي، ومن أجل أن أكون أكثر دقّة ستكون هناك حرب أهلية شيعية بين الخط الشيعي الإيراني الولاء، والخط الشيعي العراقي الولاء.
***
لن تسمح إيران بخلو العراق من داعش، وستعمل الدمى على تنفيذ هذه الرغبة حتّى ولو أدّى ذلك الى أن تتعرّى من مصداقيّتها أمام الجميع، إلا أنّ إيران - باعتبارها اليد التي تحرّك الكثير من الدمى في داخل العراق - لم تصل بعد درجة صفر سياسة، فمن السهل جدّاً أن تتنصّل وتعترض بعض الدمى المتحرّكة ضدّ البعض الآخر حفاظاً على الخيوط الأخرى من الإنقطاع، أي على محرّك الدمى أن يُضحّي ببعضها، وبالتأكيد يمكن التضحية بدمية من خارج المكان بسهولة، لأنّها ستظلّ فاعلة في مكانها أيضا (ما يحدث مع حزب الله نموذجاً).
***
على صعيد الشارع التابع، سيرتدي جندي الشطرنج الأسود اللون ذاته، لكن ليواجه جندي شطرنجي أسود وآخر أبيض أيضا، بل إنّ الجندي الشطرنجي الأسود سيكون أقرب الى التهادن مع جندي شطرجي أبيض منه الى التهادن مع جندي شطرنجي أسود، أن تحارب دون أن تدري مع مَن؟ أو ضدّ مَن؟ وهذا ما يمكن أن أُطلق عليه (درجة صفر سياسة).
***
الصراع الإقتصادي يظلّ يراهن على النسبة الإحصائيّة للبراءة والسذاجة والغباء داخل بنية المجتمع، لأنّ اللعبة بغير هؤلاء منتهية.