الدنبكجي والقشمر والشعار والقرقوز
في الاربعينيات من مرحلة تاريخ العراق، برزت اسماء ايضا ساهمت في تنشيط الحركة الفنية منهم، الرائد يحيى فائق، والذي على يديه شكلت فرقة مسرحية قدمت عروضا جريئة بطرحها، ومتعاونا مع بعض الهواة من الفنانين، اضافة الى فرقة جبر الخواطر والتي شكلها بعض الرواد منهم، عبد المنعم الجادر، وشهاب القصب، ويوسف العاني، وبرزت في هذه الحقبة الزمنية ايضا ظاهرة جديدة ساهم بتجسيدها بعض الفنانين وهي ظهور النشاط الفني والذي سمي بعدئذ بالمسرح المدرسي.
طبعا في فترة الاربعينيات كان يسمى الممثل بالقشمر، والمطرب بالدنبكجي، والمنولوجست بالقره قوز قبل ان يأخذ شكله الحقيقي من خلال الدمى القفازية والتي كان الممثلون يختفون خلف هذه الدمية متسترين بأنفسهم حرصا منهم ان لا يعرضون شخصياتهم امام الجمهور خوفا من التشهير بهم، حيث كان الفن وقت ذاك من الاعمال المخجلة ويتجنب معظم الناس صحبتهم، واذا اراد احد الاشخاص ان يهين احدا يقول له دنبكجي، او شعار او قشمر، او قرقوز، والخ-- ولكم ان تتصوروا معاناة هؤلاء الفنانين من الاجواء التي يعيشون فيها ومن المحيط الذي يتعايشون معه بالإكراه والمعاناة.
الفرق المسرحية في تاريخ المسرح العراقي
المسيرة الفنية لم تتأثر بهذه الاجواء السلبية والتي ذكرناها انفا، لكونها مدعومة من قبل فنانين مؤمنين بان الفن ليس وسيلة تسلية بقدر ما كان ايمانهم راسخ على ان للفن رسالة مقدسة من خلاله يتم خدمة الجماهير ويعمل على توعيته وتثقيفه ومقاومة الظلم والاستبداد من خلال عرض بعض النصوص الفكرية والسياسية والنقدية والتي جاءت عن طريق الفرق الاهلية التي تشكلت بعد مرحلة الخمسينات.
اضافة الى الاندية الاجتماعية والثقافية والتي دعمت المسيرة الفنية بعروضها المسرحية وترسيخ حركة المسرح في العراق، حيث بادر الفنانين الرواد بتشكيل فرق مسرحية جاهدت من اجل تقديم عروض مسرحية ذات طابع فني متميز منها، فرقة المسرح الشعبي والذي كان يرأسها الفنان الرائد الاستاذ المرحوم جعفر السعدي ومقرها في منطقة الباب الشرقي، وفرقة 14 تموز للتمثيل والذي كان يشرف عليها الفنان الرائد المخرج الاستاذ اسعد عبد الرزاق ومقرها في الصالحية، وفرقة المسرح الحر والذي كان يشرف عليها الاستاذ جاسم العبودي ومقرها كان في كرادة مريم بالقرب من نقابة الفنانين العراقيين وامام الفرقة القومية للتمثيل انذاك والتي اصبحت فيما بعد الفرقة الوطنية للتمثيل، اضافة الى الفرقة القومية للتمثيل وهذا هو اسمها انذاك، وفرقة المسرح الفني الحديث والتي اتخذت لها مقرا في مسرح بغداد في البتاوين خلف سينما النصر والان اصبح مزبلة للأوساخ والنفايات ومع المزيد من الاسف، وفرقة مسرح اليوم والتي كان يشرف عليها الاستاذ المخرج جعفر علي ومقرها امام سينما النصر، وفرقة الستين كرسي وهي بالقرب من فرقة مسرح اليوم والذي كان يشرف عليها كل من الفنانين د. عوني كرومي والفنان عادل كيوركيس، وفرقة مسرح الرافدين والذي كان يشرف عليها كل من الاساتذة اسامة القيسي والفنان عبد الخالق الفلاح والذي توفي في امريكا بعد اغترابه عن الوطن، وفرقة مسرح بغداد والذي كان يشرف عليها الفنان الراحل خليل الرفاعي، فرقة المسرح المعاصر والتي كان يشرف عليها الفنان مكي العفون وكان مقرها في بداية شارع النهر من قرب راس جسر الصالحية، وفرقة اتحاد الفنانين والذي كان يشرف عليه الفنان الاستاذ خالد سعيد وطه سالم وعبد الوهاب الدايني، وفرقة الفنون المسرحية والتي كان يشرف عليها الفنان محمد القيسي والفنان عبد علي اللامي، وبعدها برزت فرق جماهيرية مدعومة من قبل مؤسساتها الحكومية المسرح الفلاحي، وبيت المسرح العمالي وفرقه العمالية (اضواء على مسيرة المسرح العمالي-- جوزيف الفارس) والفرق السريانية وفرق الاندية الاجتماعية (نادي بابل الكلداني – الارض والحب والانسان، ونادي التعارف الاهلي – الشيخ والقضية) والمسرح الكنسي في بغداد والذي اخذ دوره المسرحي من خلال الاخويات الكنسية وتقديم مسرحيات، في انتظار المخلص، القداس الالهي، الصوت الصارخ، مارتوما الرسول) اضافة الى الفرق الكردية في السليمانية والتركمانية في كركوك، والفرق المسرحية في البصرة وبقية المحافظات العراقية.
جميع هذه الفرق التي ذكرناها انفا قدمت النصوص للمسرحيات الشعبية والعالمية والاوبريتات المسرحية (الفنان قصي البصري)، وكان هدفها ان تساهم في تطوير الحركة الفنية بأسلوب شيق فني وجميل ورائع ورغم المعاناة والظروف السلبية والمتشابهة مع ظروف المرحلة الراهنة التي يعيشها شعبنا في العراق لكنها نجحت واستطاعت ان تخطو بمساحات كبيرة نحو التالق، وان تثبت حضورا ملموسا في المحافل العربية والعالمية.
والان -- لننظر الى ما توصل عليه واقع الحال المسرحي في عراقنا الحبيب، واقع لا يرتقي الى ما كان عليه في الستينات والسبعينات، باستثناء بعض الاعمال لشباب مبدعين احتضنوا المسيرة وتبنوها بكل جد واخلاص هدفهم ان ترتقي اعمالهم الى مستوى الطموح مسخرين كل ما يملكون من الثقافة والخبرة والتجربة، اضافة الى خزينهم المسرحي ومن خلال مشاهداتهم والتي حظوا بها في الماضي الذي اسعفهم الحظ وان يتعايشوا مع الاساتذة المخرجين من الرواد يومذاك، بحيث جاءت اعمالهم ان لم اقول عنها الكوبي عما شاهدوه وانما ظهرت عليها تأثيرات من العروض السابقة للأساتذة الرواد ومع الاختلاف البسيط، هذه الحالة نشكر الله على انها اعطت صورة واضحة لما توصل عليه واقع المسرح العراقي، نحن نبغي من شبابنا ان يتجاوزوا مرحلة التقليد وان تتمخض اعمالهم عن مدارس جديدة واساليب فيها من الابداع والتألق ما يبهر المتلقي وعلى الرغم من الظروف التي يمر به مجتمعنا وعراقنا الحبيب، ونحن وضمن هذه المرحلة، لو انصب تفكيرنا على ان المسرح هو سلاح فتاك ورصاصة في قلب المزيفين والمتملقين والاعداء الطامعين، وقاربنا فعله وتفعيله مع ما يقدمه الحشد الشعبي من مقارعة الاعداء لتوصلنا الى نقطة مهمة قد يقتنع بها المسؤولين الاعلاميين بان خشبة المسرح لا تقل اهمية عما يقدمه الحشد الشعبي والجيش العظيم وبقية الاجهزة الامنية من سلاح فتاك اذا ما علمنا بان الكلمة الحرة هي سلاح بوجه الاعداء، وهكذا يلعب المسرح لعبته السياسية مع الاناشيد الوطنية ومع ابناء الحشد الشعبي المبارك، عندها سنتعرف على موطئ اقدامنا من خلال الاعمال المتعددة والمدعومة من قبل المؤسسات الاعلامية ذات الصلة بدعم الحركة المسرحية والتعاون من اجل تطوير مسيرته وترسيخ اهدافه النبيلة والانسانية، فمن المؤكد ان هذا الدعم سياتي بنتيجة ترتقي الى مستوى الطموح اذا ما علمنا بان العمل المسرحي لا يعتمد على شخص واحد وانما هو عمل جماعي تتكاثف من خلاله جميع المنافذ الفنية لتصب في واقع نطمح اليه هو المسرح العراقي الحقيقي الذي ادهش الكثير من الفنانين العرب في المرحلة السابقة من خلال حضوره الذي لم ننساه حينما حصد من الجوائز والتي ابهرت العديد من المعجبين بما قدمه اساتذتنا من الكتاب ولاسيما عادل كاظم والمخرج الرائد قاسم محمد من خلال تعريق واعداد نصوص ارتقت الى الطموح المنشود، والجميع يعلم ماذا قدم المخرج الرائد العبقري الرؤية المرحوم ابراهيم جلال من خلال عدة اعمال منها البيك والسائق والطوفان، وما قدمه بقية الاساتذة من مخرجينا المبدعين منهم سامي عبد الحميد وقاسم محمد وبدري حسون فريد.
واقع الحال المسرحي في عراقنا الحبيب
نحن حينما نسلط الاضواء على الواقع المسرحي في العراق، لا نبغي من هذا الكشف الا تشخيص الايجابيات والسلبيات لمسيرته ومقارنة مع ما ذكرناه انفا، فان هذا الواقع لا يسر المعنيين المسرحيين كطموح للارتقاء بتاريخ المسرح العراقي، لكونه اصبح مسرحا تجريبيا يتخبط ما بين الابداع والاحباط، واقع لا يرتقي الى ما كان عليه في الستينيات والسبعينيات، باستثناء اعمال بعض الشباب من المبدعين والذين احتضنوا المسيرة بكل جد واخلاص محاولين تطوير المسيرة المسرحية وبما يملكون من الثقافة المسرحية ومن بعض ما شاهدوه من العروض المسرحية لروادنا من المخرجين المسرحيين والتي بقيت متعلقة في اذهانهم وتأثروا بها.
فنحن حينما نتناول الواقع العام للحركة المسرحية في العراق وفي ظل مرحلتنا الحالية، منتقدين مسيرتهم التي تسير كالسلحفاة مستندين على ما يقدم من العروض الركيكة، انما لا يعني هذا ان الساحة العراقية لا تخلو من عروضا مسرحية فيها من التالق والابداع قدمها شبابنا الواعي المبدع، عروضا ونحن نشاهدها عبر الانترنيت، اثلجت صدورنا واحيت الامال لبداية نهضة مسرحية شبابية، انما هذا لايكفي لانها جهودا ذاتية، ومما يؤسف له انها اعمالا غير مدعومة مقارنة مع العهود السابقة وبغض النظر عن سياسة انظمتها يكفي انها رفعت شعارا (الفنان كالسياسي كلاهما يصنع الحياة بصيغ متقدمة) وهذا الاعتراف الصريح بدور الفنان انه يصنع الحياة انجب اعمالا ابهرت العالم العربي واعطت نموذجا لتجربة مسرح جماهيري فيه من الابداع والتالق، عبرت عن تجربة رائدة وعملاقة في عروضها التي اتسمت بالثقافة العالية محاولين بعروضهم اختراق الحدود خارج الوطن ونشر تجاربهم وانجازاتهم الراقية على المسارح العربية ونحن نذكر تجربة الفرق الاهلية في هذا الانجاز والمتمثلة في فرقة المسرح الفني الحديث، والفرقة القومية وعروضها المتتالية، وعروض المسرح العمالي، جميعها اتسمت بتجربة رائدة فيها من تكامل العناصر والمقومات المسرحية من ممثلين موهوبين ومحترفين ومثقفين في حرفية التمثيل وملكة الالقاء المبدع والصوت الجميل المعبر عن احاسيس الكلمة الناطقة.
اضافة الى تقنيات الاضاءة الحديثة والتي ساهمت بتجسيد مضامين ماطرح من على خشبة المسرح العربي والثقافة العالية في تصميم الديكور والملابس، والابداع في فن المكياج والذي اشتهر من خلاله الفنانان الرائدان فوزي الجنابي وطه الهلالي، ومن خلال قيادة حكيمة قادها اشهر اسماء من مخرجينا الرواد ابراهيم جلال، سامي عبد الحميد، قاسم محمد -- الخ. اضافة الى النصوص العراقية الشعبية ان كانت على المستوى التاليف المحلي او الاعداد وتعريق النصوص العالمية، نصوص اتسمت بالمضامين الفكرية والسياسية وبأساليب واقعية ورمزية انفرد من خلاله كتابنا المبدعين من امثال عادل كاظم ويوسف العاني وطه سالم وقاسم محمد -- الخ.
فنحن في هذه المقارنة ما بين تلك الحقبة من العصر الذهبي للمسرح العراقي وما بين هذه المرحلة التي يتخبط فيها شبابنا ما بين الامكانيات والجهود الذاتية والمتاحة بين ايديهم والتي لا تساعدهم على تحقيق طموحاتهم المشروعة لتقديم الافضل، وبالرغم من الدعم المعنوي من خلال بعض الصحف المحلية والعربية والتي تملك زمام الدعم والتشجيع، اقول جميع هذا لم يساعد الفنان العراقي المعاصر على ان يقدم عروضا بمستوى ما يهدف اليه، وبالرغم من اننا في بعض مقالاتنا اشرنا من خلالها الى تشخيص بعض العروض المتالقة، وانما هي كانت حالة فريدة وليست شمولية.
وعليه فنحن ومن خلال تفاؤلنا بمستقبل مسرحي عراقي زاهر نأمل ببداية مرحلة جديدة مؤمنين بالجهود التي يقدمها بعض شبابنا الواعدين والمثابرين من امثال د. الفنان المخرج كريم خنجر، ود. الفنان الشاب اسامه السلطان، والمخرج المتألق تأليفا واخراجا الفنان عكاب حمدي، والذين لم يسعوا في اختياراتهم للنصوص المسرحية الا ما يرونه مليء من الطموحات المشروعة والراقية يشوبها الابداع والرقي وعلى ضوء المرحلة التي يعيشونها والحالة النفسية للمتلقي والتي لا تساعد على الحضور ومتابعة العروض المسرحية كما كانت في المرحلة السابقة من تاريخ حركة المسرح العراقي.