تواجه شعوب العالم انتشاراً واسعاً لظاهرة الفساد المالي في بلدانها، كما تشير إلى ذلك منظمة الشفافية العالمية، بحيث لم يبق سوى عدداً ضئيلاً من الدول التي ينعدم فيها الفساد تقريباً، كالدانمرك ونيوزيلندا وفنلندا والسويد والنرويج، في حين يشتد الفساد في الكثير من الدول النامية، ومنها منطقة الشرق الأوسط.
وقد احتل العراق في أعوام 2013 - 2015 مواقع 170 و171 من مجموع 172 و177 دولة جرى فيها البحث عن الفساد، ولم يأت بعد العراق في حجم وكثافة وسعة انتشار الفساد سوى دول مثل جنوب السودان والسودان وأفغانستان وجيبوتي.
ولكن الفساد لم يبق في إطار تلك الدول، بل شمل، ومنذ سنوات كثيرة، المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، ومنها منظمة فيفا، المختصة بشؤون السباقات الأولمبية على الصعيد العالمي والإقليمي وكرة القدم.
وتابع العالم باهتمام بالغ فساد الهيئات التي عملت في لجان "النفط مقابل الغذاء الدولية"، الذي أخل بمصالح الشعب العراقي عموما، وأطفاله ومرضاه بشكل خاص.
واكتشف إن توزيع سباقات كرة القدم، التي تتم كل أربع سنوات، على الدول، كان يتم بدفع أموال طائلة من جانب الدول الراغبة في أن تقام تلك السباقات في بلدها ولصالح العاملين في قيادة الـ "فيفا".
ولا بد من التحرى عن مدى انتشار الفساد إلى مواقع دولية أخرى تصل إليها مبالغ طائلة نتيجة نشاطاتها الخيرية مثلاً.
فوجئ العالم عام 2015 بحدثين تتحمل الجهات المختصة دولياً وإقليمياً الكشف عما وراء الحدثين بصورة دقيقة وموضوعية، لقد:
1) تم اختيار العراق لعضوية "مجلس حكماء الأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد" واحتلال الدكتور حسن الياسري، رئيس لجنة النزاهة بالعراق، هذا المنصب، ثم تم اختياره نائباً لرئيس المؤتمر الأول للدول الأطراف في الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد.
2) تم اختيار المملكة السعودية في عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، ورئيساً للجنة الخبراء المستقلين في هذا المجلس، وتعيين السفير السعودي فيصل بن حسن طراد بهذا المنصب.
هل يستقيم اختيار هذين البلدين مع ما يجري في هذين البلدين من فساد واسع وانتهاك كامل لحقوق الإنسان؟
العراق والفساد المالي والإداري:
شمل الفساد بالعراق الدولة العراقية بسلطاتها الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، ومؤسساتها الإعلامية، ومختلف الهيئات التي تشكلت بالعراق، سواء التي سميت مستقلة، أم غيرها.
وقدرت مبالغ الفساد بمئات المليارات من الدولارات الأمريكية، بحيث أجبرت حتى المرجعيات الدينية، التي زكت تلك الأحزاب الإسلامية السياسية المسؤولة عن ذلك الفساد وأوصلتها للحكم، والحكومات التي ترأستها، والوزراء الذين تقلدوا المناصب على امتداد السنوات التي أعقبت إسقاط الدكتاتورية بالعراق، أن تتحدث عن الفساد، وتطالب بمكافحته وإدانة القائمين به.
ولكن كل الدلائل تشير إلى إن هيأة النزاهة العراقية لم تمارس مهمتها على الوجه المطلوب حتى الآن بدليل وجود جمهرة الفاسدين الأساسيين، أو الذين سهلوا انتشار الفساد على جميع المستويات والمجالات، ما زالوا أحراراً يمارسون أعمالهم كما في السابق، أو احتلوا مواقع أخرى، ولم يكفوا عن دورهم، كما لا يزال هؤلاء يتصرفون كحكام بالبلاد. إن هيأة النزاهة، التي يتحدث رئيسها عبر شاشة التلفزيون عما فعله، بعيدة كل البعد عما ينبغي لها أن تمارسه ضد الفساد والفاسدين، حيث تبتلع أموال العراق في كل مكان دون استثناء، حتى أصبحت الخزينة خاوية، والناس لا تتسلم رواتبها.
إن مطالبة المنظمات الدولية بمساعدة العراق باسترداد ما نهب منه أمر جيد، ولكنه غير كاف، فاللصوص يعيشون ببغداد، ويحتلون مناصب حكومية، واشتروا قصوراً شامخةً، وحساباتهم بالخارج تدمي قلوب الشعب العراقي.
والسؤال هو:
هل يستحق العراق ورئيس لجنة النزاهة، ولست المسألة هنا شخصية، أن يحتل عضوية حكماء الأكاديمية، والعراق يعج بالفساد التام؟ وكيف تم ذلك؟
المملكة السعودية وحقوق الإنسان:
ليس هناك من عاقل بهذا العالم الواسع لا يعرف بأن السعودية، كدولة، وحكومة، وعائلة مالكة، ومسؤولين، وأجهزة أمنية، وشرطة، وجيش، ومجلس شورى، وشيوخ دين مسؤولين عن الفتاوى الدينية، هي العدو الأول الفعلي لحقوق الإنسان، ولجميع المواثيق والعهود الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، وعن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وعن مؤتمراتها الدولية العديدة، وأنها تنتهك يومياً حقوق الإنسان وتزج بأصحاب الرأي الآخر في السجون، وتسلط عليهم شتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي "الإسلامي"، كالجلد وقطع اليد وقطع الرأس.
كما تنتهك يومياً حقوق المرأة والطفل. وليس هناك من دولة في العالم بعد الصين، التي أصدرت أحكاماً بالإعدام ونفذتها فعلاً مثل السعودية، سوى إيران والعراق بالنسبة لعام 2014، في وقت ارتفع عدد الدول التي ألغت حكم الإعدام من قوانينها إلى نصف مجموع دول العالم.
ويقبع ، على سبيل المثال لا الحصر، الناشط والكاتب المدني السعودي رائف بدوي، في سجون السعودية، بعد أن حكم عليه بـ 1000 جلدة، وعشر سنوات حبس، لأنه تجرأ ودعا إلى مبادئ حقوق الإنسان، وإلغاء لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي تمارس إذلال النساء والرجال بالسعودية يومياً، وتدوس على كرامتهم وحقوقهم الشخصية.
فهل بعد هذا وكثير غيره، تستحق السعودية أن يكون ممثلها رئيساً للجنة الخبراء المستقلين في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة؟ وكيف تم ذلك؟
ألا ينبغي لنا أن نتساءل ونطالب بالجواب؟