نذالّة المهرّبين
تركنا الهور خلفنا عند مغيب الشمس، السير ليلا أكثر أمناً بحسب رأي المهرّبين. يلفّ المهرّب ابو حسين رأسه بشماغ جنوبي كما مرّ، مع دشداشة عربية، بينما يلبس زميله كاظم بلوزة وبنطالاً باليين، أما نحن جماعة الأربعة، فنرتدي ملابس مدنية. زخات المطر والريح العالية جعلتنا لا نميز حركة أقدامنا بدقّة، كنت أدهس أشياء لا أميّزها والطريق أصبح زلقاً جداً، خلعنا أحذيتنا كي نتجنب السقوط، دعست على أشياء حادّة وأُخرى رطبة وعيني شاخصة على الأضواء البعيدة.
يسطع ضوء عالٍ باتجاهنا بين فترة وأخرى من دوريات الحدود الإيرانية، وحينئذ يتوجّب علينا الاختباء خلف الشجر أو الأشواك البرية الى حين ذهاب الدورية بعيداً.
في إحدى المرّات كنا نمشي في أرض مكشوفة تماماً وإذا بضوء قوي سطع في وجوهنا! هرولنا أمتاراً قليلة وانبطحنا خلف تلة صغيرة فوق أرض طينية، همس عباس في أذني، ألا يذكّرك هذا بفلم الرسالة وهجرة الصحابة واختبائهم عن أعين قريش؟ كدت أقهقه بصوت عال لولا خطورة الموقف!
عدنا للمشي والمهرّب أبو حسين يحثنا على الإسراع في الخطى، أصابني عطش وكان أبو حسين يحمل قربة مياه ممزوج ماؤها بدهن لم استسغه أبداً، وقفنا عند غدير، أو هكذا حسبته من خلال اللمس فقط وشربت منه. جلس المهرّب قليلاً ليدخن سيكارة، كنت نفثت آخر سكائري قبل ذلك، طلبت واحدة منه، فتذرّع بنفاد سكائره، رغم تدخينه أكثر من واحدة بعد ذلك!
بدت لنا المسافة الفاصلة بيننا وبين أضواء مدينة الحويزة لانهائية، أنفقنا ساعات طويلة في السير ولم نشعر أننا اقتربنا أبداً. اشتكى لؤي من ألم في بطنه، أخبرنا أنّ لديه حصاة في الكلى وربما أثار البرد والمشي وجعه، تحامل كثيراً واستمر في السير، تأسفنا له كثيراً، لأننا لا نستطيع تقديم المساعدة له، لكنّ عباس عرض أن يحمله على ظهره في حال عجز عن المشي، فلا وقت للراحة!
تلاشى إحساسنا بالوقت ولم نعد نميّز في أي ساعة نحن، لاحت خيوط الفجر ومعها اختفت أضواء المدينة، مررنا بأشخاص في موضع عسكري، أو شيء من هذا القبيل، لم يبدر منهم أي اعتراض، أبلغنا المهرّبون أنّهم من المجاهدين ولا خوف منهم، بعد ذلك، وجدنا أنفسنا وسط قطيع من الأغنام، يرعاها راعٍ بملابس عربية جنوبية، سلّمنا عليه ومضينا.
مع ضوء النهار جلسنا في ساقية، لم نكن نعرف ما الذي يجري وما هي الخطوة اللاحقة، أصبحت المدينة في مرمى البصر، لكن لا فكرة لدينا عن الخطوة التالية، المهرّبان ابو حسين او كاظم لم يقولا أي شيء؟!
بدا لنا، من خلال ترقّبهم للشارع، أنّهم في انتظار مرور سيارة من النوع الذي يحمل القرويين إلى مدينة الحويزة وما إن لاحت سيارة وسط الطريق حتى أشاروا لها بالتّوقف، ثم قفزا في حوض السيارة ولاذا بالفرار وتركونا وسط دهشة محيّرة لا يمكن وصفها!
اختفى المهرّبان بعد أن قبضا ثمن البضاعة!
يا الله.. كم كانا وغدين وجبانين، خدعانا وكذّبا علينا، تبا لهذا النوع من البشر في كلّ حين.
بقينا مبهوتين، حائرين، ملابسنا مبلّلة وملطّخة ببقع الطين، لبسنا أحذيتنا لنبدو طبيعيين قدر الإمكان، مشينا إلى الشارع، اتفقنا أن نذهب لأقرب هاتف عمومي في الحويزة لنتصل بأقارب عدي ولؤي ونأخذ التوجيه منهم فيما يجب فعله.
أوقفنا أول سيارة، رجل بملابس عربية، غترة من غير عقال، طلبنا منه إيصالنا الى اقرب هاتف عمومي، قال: نعم تفضلوا.
يجلس في حوض السيارة قرويون وقرويات، جلسنا جنبهم، راودني شعور بأني لم أخرج من الناصرية بعد! تحسّست جيبي وتذكرت الـ10 آلاف تومان إيراني التي أعطاها لي قيس في بغداد، الأخوان لؤي وعدي كانت لديهم بعض النقود الإيرانية أيضاً.
لسان الناس العربي في الأحواز، ذكّرني بشعر قرأته ذات مرّة للشاعر مظفر النواب يقول:
مَنْ هرّبَ هذه القطعة من بلادي؟
في الحويزة، سأل سائق السيارة بعض الناس عن أقرب مكتب "مخابرات"! أرعبتنا الكلمة، فصرخنا أي مخابرات يا عم، نحن نريد الاتصال فقط!
عرفنا بعد ذلك، أن الأحوازيين يطلقون كلمة "المخابرات" على مكاتب الاتصالات!
في الساعة الثامنة صباحاً، دخل عدي ونحن ننتظر خارج المكتب، لكنّه خرج وملامح الخيبة على وجهه!
ما الأمر يا عدي؟
يبدو أن رقم الهاتف الذي بحوزتي غير صحيح، كانت المتحدثة في الطرف الآخر امرأة وتتحدّث اللغة الفارسية فقط! أجاب عدي.
قبل دخولنا الى إيران وفي الهور تحديداً، سمعنا بوجود أطباء عراقيين في الحويزة، لذلك، ومن واقع قلة حيلتنا، قلت لأصدقائي أن لا خيار أمامنا سوى الانتظار أمام مستوصف الشهيد محمد باقر الصدر الذي نقف بالقرب منه حتى يفتح أبوابه، ثم أدخل على الطبيب وأطلب منه مساعدتنا.
حصلت على موافقة بالإجماع، ثم جلسنا على الرصيف محاولين إخفاء غربتنا وحيرتنا بالضحك والاقتراب من عربة لشخص يبيع السكائر وأشياء بسيطة، اشتريت منه علبة سكائر رديئة وقنّينة ماء بكل ما أملك من تومانات إيرانية!
عند التاسعة صباحاً دخلت المستوصف وطلبت رؤية الطبيب، قلت لهم: أنا طبيب أيضا وأريد الحديث معه.
أدخلوني على طبيب شاب بعمري تقريباً، قدمت نفسي وأخبرته بوصولي من العراق قبل ساعات، تفاجأ جدّاً وأبدى امتعاضه من خطوتي هذه، سألني، إن كان بإمكاني العودة الى العراق؟
قلت: العودة مستحيلة صديقي، فأخبرني أنّه جديد في المدينة، ومع ذلك، اتصل بأحدهم وطلب منه مساعدتنا.
خلال 10 دقائق جاء أبو علي الأزرقي، شاب أسمر، يتحدّث بثقه عن نفسه، يقيم في الحويزة منذ فترة طويلة، طلب منا أن نذهب الى بيته فوراً، فالمكان غير آمن ويمكن أن نقع في قبضة الإطلاعات الإيرانية وتقوم بإعادتنا الى العراق بعد فترة سجن ليست قصيرة.
كان الأزرقي مضيافاً وكريماً جدّاً، جنوبي الطيبة والمحيا، هيّأ لنا حماماً دافئاً بعد 8 أيام من البرد والوسخ، إضافة الى وجبة غداء حارة وشهية.
حكينا له ما جرى وعرفنا أنّه جاء من العراق قبل أسبوع، عرفنا أيضاً، وهذه مفارقة عجيبة، أنّه بات ثلاث ليالٍ في نفس القطّاع الذي يقع فيه بيت عباس في مدينة الثورة وعند شخص يعرفه عباس جيّداً!
ذكرت لأبي علي أسماء أقاربي في إيران وكانوا أسرى توّابين يخدمون جنوداً في المجلس الأعلى، هم ابن خالي ملا فلاح حسن بريسم وابن خالتي صالح لفته جاري، لعلّه يتمكّن من إيصال خبر تواجدي في إيران وبالتالي يأتون لنجدتي!
اتصل أبو علي بأقارب عدي ولؤي وشرح لهم مكان تواجدنا وطريقة الوصول اليه.
عند المغرب جاء شاب بسيارة تابعة للسباه (الحرس الثوري الإيراني) ليأخذنا من الحويزة الى ديزفول بلا اعتراض من أي نقطة تفتيش.
وصلنا ليلاً الى أقارب لؤي وعدي، بدا رجلا له علاقات واسعة بالسباه والإطلاعات الإيرانية، فهو يقيم في إيران منذ عام 1986 ومتزوج من سيدة إيرانية، بعد ذلك، اتصلنا بعمّ لؤي وعدي الذي يقيم في مدينة قم، صار الاتفاق أن نصل اليه في أسرع وقت.
لم أسمع كلمة فارسية واحدة حتى الآن، لذلك لم أشعر أنّي غادرت العراق بعد.
قطعنا تذاكر سفرنا في المساء على القطار المتوجه من مدينة ديزفول الى قم، فالسفر في القطار أكثر أمناً. في تلك الأثناء، اتيحت لنا فرصة الذهاب الى مقام النبي (دانيال) في ديزفول، لم اندهش بالمكان قدر دهشتي بتواجد قبر النبي اليهودي في جنوب إيران!
غادرنا ديزفول مساءً ووصلنا الى قم فجراً، حيث وجدنا عمّ لؤي وعدي بانتظارنا.
عند الخروج من القطار سمعت أصحاب سيارات الأجرة يرطنون بلغة لا أفهمها
يك نفر هرم، يك نَفَر هرم....
سي نَفَر هرم
خامرني شعور بالغربة، تذكّرت أمي واشتقت لأبي.
في إيران
وصلنا الى بيت عمّ الأخوين عدي ولؤي السيد أبي شيماء، رجل أربعيني متزوج ولديه بنتان، يعيش في شقة بسيطة من غرفتين في منطقة "نيروكاه" التي يسكنها كثير من العراقيين في قم.
أبو شيماء هادئ ووديع جدّاً، نحيف ببشرة بيضاء، كأنّه من أبناء الترف، عمل مدرسا في العراق، يعيش في إيران على معونات مالية يرسلها أخوه أبو عدي ولؤي من أستراليا. يتحدّث بأدب جمّ وبصوت خافت، حكى لنا عن وضع إيران بنوع من "الموضوعية" وبعيداً عن التوصيف الشائع الذي يتبناه أكثر العراقيين والذي يحيلها الى هوّة عميقة وغير آمنة ومطمئنة. ذكر أنّها تقوم بعمل طيّب مع العراقيين وأن التواجد الآمن فيها
مرهون بحسن السلوك وعدم الضوضاء والتسبّب بالمشاكل، وأن أطراف المعارضة يمكنهم مساعدتنا إن رغبوا بذلك، نوّه بأن "المجلس الأعلى" مثلاً، يحتاج الى أطباء للعمل معه و"حزب الدعوة" لديه بعض المراكز الطبية التي تهتمّ باللاجئين العراقيين.
لم ينس أبو شيماء أن يذكّرنا بحاجة أطراف المعارضة الى معرفيّن(أشخاص يقومون بتزكيتنا أمامهم)، في حال وافقوا على الاستعانة بخدماتنا أو توظيفنا.
كذلك، لم ينس أن يطلب منا اتخاذ أسماء حركية، فاخترت كنية أبي الطيب حبّاً بالمتنبي واختار عباس أبا سجاد، وتحوّل اسما لؤي وعدي الى حسن وحسين، فاسم عدي (ابن صدام) سُبة كبيرة في إيران!
مضت يومان أو ثلاثة ونحن لا نبارح الغرفة الوحيدة في الشقّة الا لمشوار قصير عند المسجد أو مقام السيدة معصومة.
ذات مساء، سمعنا طرقاً على باب الشقّة، جاءت البنت الكبرى ذات السبع سنوات وقالت: في الباب رجل يسأل إن كان حمودي هنا! نزلت مسرعا وإذا به ابن خالي فلاح حسن بريسم، إنّها لحظة لا توصف، شعرت حينها وكأنّ جميع أبواب إيران فُتحت لي، وكأنّي وجدت أهلي أخيراً، كانت لحظة ذات حمولة عاطفية استثنائية، عناق وسلام حارّان، فرح فلاح بسلامة وصولي وأثنى على خطوتي، لكنّه استغرب عدم مجيء أخيه قيس معي؟!
ودّعنا الأخوين وعمّهما على أمل لقاء قريب آخر، فما زلنا في الحي نفسه. كان فلاح يسكن مع عائلته المكوّنة من ثلاث بنات وولدين في شقّة في طابق ثانٍ، هي عبارة عن مطبخ صغير وغرفة كبيرة مقطوعة جزئيا لتبدو غرفتين. لم تستغرب عائلة ابن خالي تواجدي معهم، إذ إنني أعرفهم جيّداً وكنت التقيهم بشكل منتظم قبل خروجهم من العراق والتحاقهم بأبيهم عام 1995، أما فلاح فقد وقع في الأسر عام 1987، ولم أره منذ ذلك التاريخ. سعى أبو محمد بكلّ جهد لإيجاد موطئ قدم لنا، من خلال العمل او استحصال أوراق إقامة رسمية في إيران، وهي عملية لم تكن سهلة أبداً. عمل فلاح جنديا في "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" بعد انخراطه في "حركة التوّابين"، وهي مجموعة من الأسرى العراقيين رفضوا العودة الى العراق بعد انتهاء الحرب مع إيران وعملوا مع المعارضة العراقية المسلّحة ضد نظام صدام. معظم التوّابين جنود بسطاء وفقراء، يأتمرون ويرتبطون بالسيد محمد باقر الحكيم وعائلته. يأتي فلاح بإجازة دورية من مقر عمله العسكري جنوب إيران، راتبه قليل وبالكاد يكفي معيشة عائلته الكبيرة، يعمل أحياناً في (العمّالة) أثناء إجازته الدورية رغم تجاوزه الأربعين من العمر ويعاني مشاكل صحية نتيجة إصابته بمرض السكري.
لسوء الحظّ، خسر فلاح قبل أيام من وصولي كلّ مدخراته المالية في عملية احتيال تعرّض لها وهذا ما زاد ألمه وألمي، أدركت أنّ أوضاعه المعيشية ليست على ما يرام، لكن ما العمل؟ أنا غريب وليس معي سوى ما ارتديه من ثياب و100 دولار فقط!
نعم، لدى صديق رحلتي عباس 800 دولار، لكنّه"ذو شُحّ مطاع" كما يقال، والإنفاق لا يجد الى جيبه طريقا، حَرَّم عليّ شراء علبة سكائر لستة أشهر كاملة!
بقينا في بيت فلاح ثلاثة أشهر تقريباً، نقضي النهار في الجوامع والحسينيات، نبيت عند بعض الأصدقاء الذين تعرّفنا عليهم، نلتقي شتى الناس من العراقيين، نسألهم بإلحاح عن فرصة عمل او الحصول على أوراق تثبت وجودنا في إيران دون جدوى. أغلب من نلتقيهم في قم يؤكدون أهمية حصولنا على معرّفين نافذين ومؤثرين في إيران، سألني المعمم أبو ميثم الجريح بعد أن قدمني له صديق باعتباري طبيباً وضابطاً مؤمناً! عن معارفي في إيران، فذكرت له ابن خالي فلاح وابن خالتي صالح، فقال: هذا لا ينفع، نريد معرّفين حقيقيين!
في أحد الأيام، قدّمنا فلاح إلى صديقه الدكتور أبي جعفر الذي يعمل في فيلق بدر على أمل أن يدلّنا او يساعدنا على الحصول على عمل، وبعد حديث لم يستمر أكثر من خمس دقائق غادرنا الدكتور أبو جعفر، التفتُّ الى فلاح وقلت له: صاحبك كلك مو دكتور!
أنا على يقين اليوم أنّ ظاهرة التزوير و"الدمج" التي شاعت بعد2003 في مؤسسات الدولة، وجدت أساسها الرصين أيام مقارعة النظام البائد!
ذات مرّة، قدم طالب حوزة نفسه على أنّه الدكتور أبو آمنة وأنّه اختار الحوزة، أثار الأمر استغرابي، وسرعان ما تلاشى ذلك الاستغراب، حين عرفت أنه مضمد وليس طبيباً!
ضاقت سبل العيش، وتحت ضغط الحاجة وتشجيع أبي محمد خرجنا الى العمل يوما في (العمّالة)، فلسنا غرباء عن هذه المهنة على أي حال، نحن أبناء الفقراء وهوامش المدن. طُلبَ منا أن نقوم بهدم كتلة إسمنتية في الطابق الثاني من بناية قيد الإنشاء بعدّة بسيطة، مهمة شاقة وصعبة، خاصّة مع خشيتي الغريزية من الأماكن المرتفعة، بعد أقل من ساعتين تركنا العمل وغادرنا المكان. وجد لنا أحدهم معملا لصنع (الحلاوة)، باشرنا العمل واستمر أكثر من شهرين بمردود مادي بسيط.
اهتديت في تلك الأيام، الى فكرة قتل الملل والفراغ الرهيب بواسطة القراءة، فأنا أحبّها أصلا وفيها الكثير من المتعة والعزاء.
جلست ذات صباح في مسجد تابع لحزب الدعوة لقراءة كتاب (عبد الكريم قاسم...رؤية بعد العشرين) لمؤلفه الأستاذ حسن العلوي، لا أذكر كم عدد صفحات الكتاب الآن، لكني أذكر كيف أنهيته قبل صلاة المغرب! اطّلعت على أدبيات المعارضة الإسلامية العراقية ولم أجد فيها غير التعريض بنظام صدام والبعث، هالني حالة التنافس والتنابز القائمة بين جماعات المجاهدين الإسلاميين في فيلق بدر وحزب الدعوة ومنظمة العمل والشيرازيين. لاحظت أنّ معظم العراقيين مصابون بالوسواس الديني، تأملت يوماً شخصاً يتوضأ وكاد يخلع أصابعه من كفّ يده ويحرص بشكل قهري على الا يختلط ماء وضوئه باي قطرة ماء أخرى! ذات يوم، دُعينا الى غداء مع رجل طيّب وقديم في إيران، كان همّه الوحيد علامات ظهور الإمام المهدي، يتحدّث بيقين تام عن عدم بقاء الكثير لخروجه، لاحظت كيف يقلّم أظافره ويحرص بشكل دقيق وعجيب على الا تفلت أي ذرة منها ليقوم بدفنها وهو أمر مستحب في الموروث الديني! عملية إطلاق اللحية شبه إجبارية، اذ تبقى عُرضة لاتهامك بعدم التدّين إن حلقتها. ظاهرة عزل النساء عن الرجال لم أشهد لها مثيلا من قبل، عند طرق باب أي صديق مثلا، يأتيك الصوت من خلف الباب فقط، حدث أن تسأل بعض النساء الأمهات عن مرض أو دواء فتتم نقل المعلومة عن طريق الابن أو الزوج فقط ولا نرى المرأة السائلة، لم أشاهد، باستثناء عائلة فلاح في اليوم الأول لوصولي أي امرأة لصديق أو قريب أبداً.