وسط هذا الإحباط والخسارة قرّرت أن أعود الى مكان عملي، فهو جيد ومستقر وصاحب العمل أبلغني بإمكانية عودتي في أي وقت، تلخّص هدفي في العودة الى العمل واستحصال جواز سفر جديد، مزيّف أم حقيقي لا يهم، فهذا الجواز انتهت صلاحيته.
بعد رحلة الخذلان، اتّصلت بصاحب العيادة التي عملت بها، وقلت: أريد العودة الى العمل مرّه أخرى؟
فأجابني:آسف دكتور لن تستطيع العودة، فاجأني الأمر، لكنّي لم استغربه كثيراً!
يبدو أنَّ صاحب العمل، شعر بنضوب طاقتي بعد سنتين من العمل المتواصل ليل نهار، فأرباب العمل يريدون إنتاجاً ونقوداً، ولا يعنيهم كثيراً أمر الصداقات أو الإحسان، خاصة اذا كانوا من النوع البخيل جدّاً.
قلت: لا يهم، أبحث عن عمل في مكان آخر.
صار همّي بعد ذلك، إنهاء مشكلة الجواز، تعرّفت بالصدفة على طبيب اسمه شوان قادم من شمال العراق، وكان رمزاً للطيبة والوضوح وصفاء النية.
عرَف شوان بمشكلتي مع الجواز، فأبلغني بأنَّه يعرف من يأتي لي بالجواز العراقي الرسمي عن طريق السفارة! تصوّرت أنَّه يمزح، لكنّه كان جادّاً.
بعد أسبوعين وعن طريق مدرّس تربطه علاقة بموظف في السفارة مع رشوة بسيطة مقدارها 50 دولارا حصلت على جواز رسمي!
شعرت بامتنان عظيم لهذا الوطن الذي منحني ورقة وجود، وشكرت شوان من أعماق قلبي، مع شكر موصول الى السيد الرئيس القائد!
أنا موجود الآن، لدي جواز صالح لأربع سنوات مقبلة... يا للأمل!
لا عجلة إذن في الهروب من هذا الجحيم، عندي وقت كاف لترتيب أولوياتي، ربّما عليَّ البدء من جديد تماما، نقودي بدأت تتناقص، أرسلت منها 1000 دولار لصديق عزيز استلمت رسالته عند عودتي الى صنعاء، اتصوّر لو أنّي واصلت رحلتي ما كانت لتصل رسالته إليَّ، هل أعادني الى صنعاء ضيق حال صديقي؟ من يدري؟ ربّما نعم!
بدأت أسأل عن عمل جديد في أي مكان باليمن، ففرص العمل بدأت تشحّ نتيجة تزايد أعداد الأطباء القادمين من العراق، كنت أقضي وقتا قليلا في الشقّة الأرضية، وفي صباح أحد الأيام رِنَّ هاتف الشقّة!
الو.. شلونك دكتور، أنا حسين من ماليزيا!
أهلا حسين شلون أخبارك؟
حسين... لدي أخبار جيدة لك، تستطيع أن تأتي الى ماليزيا بجوازك العراقي وتدخل إندونيسيا مقابل 100 دولار، ومنها الى أستراليا مقابل 2000 دولار، الطريق سالكة!
اوكي جايك أبو علي!
الى ماليزيا
عندما حان وقت الرحيل الى ماليزيا، لم أكن قلقاً هذه المرَّة، لكن راودني شعور بأسف خفيّ على مغادرتي صنعاء، فخلال فترة تواجدي كوّنت علاقات جيدة، وأصبح لدي أصدقاء مقربون، تشاركنا معا لحظات الأمل واليأس، لكن، لا شيء يدوم في هذه الحياة، والبحث عن الأفضل شيء إيجابي يستحق عناء الفراق.
غادرت بجواز عراقي وفيزا أصلية، وهي المرَّة الأولى التي أسافر فيها بلا تعرّق أو خوف من عيون العسس، ولدّي من النقود ما يكفي لرحلة قصيرة خالية من المُتع والعيش في حدود الكفاف.
في مطار كوالالمبور الفخم والمنظّم، شعرت بصدمة حضارية ونفسية، إذ لم يسبق أن شاهدت مطاراً بهذه العظمة والابّهة.
سلّمت جوازي لموظف المطار، فبادرني، from Iraq؟ قلت: yes.
أجاب بصيغة سؤال ? Saddam good
قلت: yes good، فردّ ! very good
ختم جوازي دون أي سؤال آخر، فقلت في سرّي: خلف الله عليك صدام، يبدو أنَّك تنفع أحياناً!
خرجنا الى بوابة المطار، فشاهدنا مساحات خضراء شاسعة لم أشاهدها من قبل، وشعرنا برطوبة الجو العالية. اتّصل بهاء بصاحبنا حسين ليدلّنا على عنوانه، ومباشرة استأجرناسيارة تكسي، فجلس بهاء في المقدمة وجلست خلفه، ثم تحدّث مع سائق التكسي بلغة إنكليزية سليمة جدّاً بشأن العنوان المطلوب.
كان بهاء يفوقني كثيراً في لغته الإنكليزية، إذ إنَّه يتابع الأفلام الأجنبية بشغف ويحب فرقة آبا السويدية والفس برسلي وبوب مورلي الجامايكي ويحفظ الكثير من أغانيهم، أما أنا، فأحبّ سعدي الحلي وداخل حسن وخبير حسچة عراقية.
بعد دهشة المطار، تلقّيت درسي الحضاري الأوّل من صاحب التاكسي، حين طلب مني إطفاء سيكارتي فوراً، فالتدخين ممنوع في أماكن كثيرة، ومنها سيارات الأجرة.
عرض سائق التكسي خدماته السياحية علينا، من صبايا وولدان مخلدون ومساج يردُّ الروح!
فكان عذرنا أنَّ وضعنا ونقودنا لا يسمحان بذلك أيّها الطّيب.
عند مكان اللقاء المتّفق عليه، ظهرَ حسين صحبة شاب أشقر طويل، يرتدي بنطال جينز وقميصا أبيضين، اعتقدنا أنَّه أسترالي يريد الترحيب بِنَا مقدّماً!
ظهر أنَّ الشاب الأاشقر عراقي واسمه إياد! رحّب بِنَا وبسلامة وصولنا، وعلى مسافة عشرين مترا أو أقلّ دخلنا في غرفة صغيرة بفندق متواضع، لكنّه نظيف.
كان إياد يتحدّث بصوت خافت جدّاً، معتبرا أنَّ الرحلة الى اندونيسيا سهلة جدّاً، ولا تتطلب سوى 300 دولار مع الفيزا، لكنَّه اشترط علينا أن نضع 50 دولاراً وسط الجواز عند تسليمه لموظف الجوازات هناك، ولن يسألنا عن أي شيء؟!
كان إجمالي المبلغ المطلوب 2000 دولار أمريكي، لكن إياد طلب مقدمة ألف دولار لكلّ شخص بضمنها مبلغ الفيزا، واشترط أن يذهب حسين معنا، حتى يثبت لنا أنَّ الأمور آمنة وسالكة، وإلا فكيف يضحّي بابن خالته؟ على أن نسلم باقي المبلغ الى شخص اسمه أبو علي في إندونيسيا بعد أن أعطانا رقم هاتفه.
وجدنا الرجل لا يميل للمبالغة أو التهويل كما فعل سابقا أبو مهند، فاتّفقنا معه على التفاصيل، ثم أخذ جوازاتنا مع 300 دولار وعاد بها مع فيزا وبطاقة طيران بعد ثلاثة أيام!
قضينا ثلاثة أيام في ماليزيا مسترخين ومستمتعين الى حدّ ما، قابلنا خلالها سواحاً أجانب في أبراج ماليزيا، حتى أنَّ بهاء تحدّث معهم بإنكليزيته الرائعة وبفرح غامر عن فلم امريكي نسيت اسمه، بطله الممثل شين كونري، صوّر في المكان نفسه.
طرنا بعد ثلاثة أيام الى إندونيسيا، كلّ شيء سار على ما يرام، اتّصلنا بأبي علي، فأعطانا العنوان، وأثناء صعودنا في سيارة الأجرة، تحدّث صاحبها عن الرئيس سوهارتو وخلفه بغضب، ولم يغفل لعن الحكام الطغاة بلغة إنكليزية ركيكة، لكن الغريب، أنَّه أحبّنا وتعاطف معنا كثيراً لأنَّا من بلاد البطل صدام! وصلنا الى الفندق المقرّر، فجاء شاب عراقي وأخذنا الى إحدى الغرف، دخل أبو علي بعد ذلك، بصحبة اثنين من أولاده المراهقين، كانت تبدو عليهم ملامح الترف والنعمة، ولاحظت أنَّهم يقاطعون حديث والدهم بطريقة بدت غير مؤدبة، لم يغفل أبو علي لفت انتباهنا الى حظّنا الجيّد وفرصتنا المواتية، فبعد أن يضطر الآخرون الى الانتظار لأكثر من شهر، ها نحن نصل قبل ساعات من انطلاق الرحلة الى أستراليا.
سألت أبا علي عن حال السفينة، فأكد أنَّها بحال جيدة جدّاً، وفيها جميع وسائل الراحة من أكل وشرب، ستلايت وتلفزيون! ثم قال: احفظوا تاريخ التاسع من أيلول عام 1999، في ذاكرتكم جيّداً، ففيه تبدأ رحلتكم في السفينة الى الحلم الأسترالي وستصلون في أقل من 36 ساعة.
عبور البحر ... يا حاضر الشدّات!
نبيت ليلة واحدة في جاكارتا، ثم نركب عصر اليوم التالي سفينتا وننطلق الى أرض الأحلام أستراليا، وفي غضون يومين نكون هناك، شيء بدا أبعد من الواقع، وأقرب الى الحلم اللذيذ.
عرفنا صباحاً، أنَّ أبا علي منظّم شؤون داخلية، وأنَّ أحمد الإندونيسي هو المهرّب الكبير.
يجيد أحمد الإندونيسي اللغة العربية بلهجة خليجية، تعلّمها من سنوات عمله في المملكة السعودية ويستخدم مفردة (نفر) بدلاً من كلمة شخص أو إنسان.
كتب بهاء رسالة عاجلة الى أصدقائنا في اليمن يخبرهم بموعد انطلاقنا عصر ذلك اليوم الى أستراليا في طريق مجهول وخطر.
اطّلعت على الرسالة، كانت أقرب الى وصية الوداع الأخير، فيها شحنة عالية من المشاعر وكلمات الوداع وطلب المغفرة من الجميع، يبدو أنَّه كان موقنا بنهايتنا الوشيكة! خاصّة عندما أعطى أصدقاءنا فترة شهر واحد فقط للتأكد من نجاتنا إن وصلتهم منا رسالة، والا فإننا في عداد الموتى!
لم أكن راغباً في إرسال رسالة مشؤومة من هذا النوع، لكنّي وافقت تلافياً لجدل بيزنطي، لا أحبّه مع رفيق السفر، ففي ظني، أنَّ الجدل والاعتراض على الرفيق حتى لو كنت معتقداً بأرجحية وجهة نظرك، غالباً ما يزيد التّوجّس والشكّ المفرط من أي كلمة او تصرّف، وقد ينتهي بفراق مؤسف.
على أي حال، خلافات السفر غالباً ما تحصل وتجلب معها مشاكل كبيرة، قد تنتهي بقطيعة تامة، خاصة في حالات السفر غير المنظّم أو القسري أو المجهول، والسفر ميزان الأخلاق كما قيل.
أرسلنا جوازاتنا لتأمينها عند إياد في ماليزيا بالاتفاق مع حسين، وهو أقرب مكان آمن ومعروف لنا، نستطيع الوصول اليه في حال فشل رحلتنا الخطرة الى أستراليا.
عند المغيب، انطلقت مجاميع المهاجرين في باصات كبيرة من فندق إقامتنا المتواضع في جاكارتا باتجاه البحر، سرنا مسافة ساعة أو أكثر، وصلنا وسط ظلام حالك الى ساحل البحر بأكواخه الصغيرة المبنية من الخشب.
وجدنا في انتظارنا قاربين صغيرين فقط، يجلس في مقدمة كلّ منهما فتى نحيل يحمل فانوسا يعمل بالزيت للإنارة، في كلّ قارب يركب أربعة الى خمسة أشخاص، يتم نقلهم الى قارب كبير أو سفينة راسية على مسافة ليست بعيدة عن الساحل. وقفنا في انتظار دورنا، كان هناك رجل بدين يقف جانبا يطلق عبارات عدم الرضا عن سير الخطة وعدم احترام المقامات! إذ إنَّه يريد أن يكون أوّل المنطلقين الى وسط البحر، فأجابه شخص يتحدّث بصيغة القائد والموجّه، لا تقلق سيد أبا منتظر، سنصل جميعنا الى النقطة نفسها! نقل الجميع الى قارب متوسط الحجم وسط مياه البحر، تنبعث منه رائحة نفط أو زيت محترق في جوّ رطب جدّا سببت لي صداعاً فظيعاً وغثياناً، فأنا أكره رائحة النفط مُذ كنت صغيراً، ربّما لأنَّه جلب للعراق أغلب كوارثه! انتظرنا حتى التئم شمل ما يقارب الـ 80 شخصاً وأَزف موعد الانطلاق، فما كان من المهرب أحمد الإندونيسي الا أن يقفز وسط القارب، مردّداً بلغة عربية ركيكة: أنتم نفر شجاع، يصير بطل يوصل أستراليا، لا يخاف من بحر.
فتمتم بهاء بلغة إنكليزية سليمة: It is an ocean mister not sea! على أنّنا عرفنا قبل ذلك من الإندونيسي، بوجود سفينة أمامنا، تحمل نحو 130 شخصاً وما علينا سوى البقاء خلفها حتى الوصول. خلال ساعات، انبلج الفجر وجاء الصباح لنرى السفينة أمامنا فعلاً، على ظهرها أشخاص بين جالسين وواقفين، وبعد فترة قصيرة توقّفت، فرسا قاربنا بجانبها، ثم طلبَ صاحب القارب من الجميع الانتقال الى السفينة، وعلمنا أنَّ الوصول الى أستراليا سيتم بهذه السفينة فقط.
الحقّ أنَّها كانت أقرب الى مركب صغير منها الى سفينة، وقد بلغ عدد ركابها أكثر من 200 شخص، حُشرنا مثل فئران مطابخ في باطنها وسطحها، الواضح أنَّ لا طاقه للسفينة بحمل هذه الكتل البشرية الكبيرة.
قبلنا بالأمر مرغمين، وبمجرد تحرّك المركب، بدأت موجات المحيط العاتية تتقاذفه وتحرّكه مثل قشّة أو عود ثقاب، ومع كلّ موجة، أخذ ماء البحر المالح يتدفّق في مركبنا، فيصيب وجوهنا بلسعة قاسية ويُثقل ملابسنا وأجسادنا.
ضجّ المركب بصراخ وشكوى الجميع، وسرت قناعة راسخة بعدم إمكانية الوصول بهذه الطريقة، فكّر الجميع بالهلاك الوشيك. في الأثناء، قفز رجل أصلع تماما، وبدأ يصرخ بصورة هستيرية: عيب عالزلم تخاف، اذا الله رايدنا نوصل، ولكم لا تجبنون.
لا أدري إن كان الرجل قوي القلب وشجاعاً حقّاً، أم إنَّها شجاعة اليأس والشعور المحقّق بالموت!
لكنَّ شاباً طويلاً؛ شعره أسود مجعّد يصل الى كتفه، ردَّ على الأصلع قائلا: بابه هذا مو عدو ونقاتله او رجل ونصرعه، لك بابه هذا محيط وبحر يكدر يبلعنه مثل أي دوده، الشغله مو بطولات، خل نرجع مدام بعدنه قريبين على اندنوسيا. ثم قال شخص بدين جدّاً، كان الوحيد الذي يلبس العقال والكوفية البيضاء: اخوان أخذت (خيرة) والخيرة تقول زينة!
فصرخ أكثر من شخص: زينة نستمر، لو زينة نرجع؟!
بعد ذلك، علا هرج ومرج، الأفغان يولولون بدعاء فارسي حزين، والعراقيون يصيحون بأصوات عالية، بين مؤيد للاستمرار في الرحلة، وآخر يرى السلامة أوّلاً.
كان الخيار أن نعود من حيث انطلقنا!، لكنّ موجات البحر المالحة استمرت بالتراشق علينا، ومع أشعة الشمس أصبحت الوجوه المتعبة والخائفة مثل لون باذنجان محروق. في المركب، جلس الى جانبي شخص يغطي الشعر الكثيف رأسه ووجهه، سمعته يتذمّر طوال الوقت ويلوم نفسه كثيراً، لسبب واحد فقط، أنَّه وهو المتعلّم والمتنوّر، سمح لنفسه أن يسلّم القيادة والمشورة الى أبي علي الجاهل المتخلّف!
المهم، عدنا الى الساحل الإندونيسي ووصلنا عند المغيب تماماً، شعرنا بنوع من الأمان لرؤيتنا الساحل والأكواخ الخشبية، واستلم بعض المراهقين قمرة القيادة، لكن، وأي سوء حظّ متواصل هذا، مالت السفينة بشكل حادّ جدّاً، بحيث تدحرج الجميع من زاوية الى أخرى مثل كرات صغيرة في صينية شاي ملساء، فانطلق صراخ جماعي، بعدها سمعنا صوت ارتطام السفينة بالأرض، لتقف بزاوية حادّة، ونحن معلقون ببعضنا كحبّات مسبحة! تعالت دعوات وأصوات بنبرات مختلفة: يا حاضر الشدات، يا الله يا الله أنقذنا.
كان الساحل قريباً ويرى بالعين المجرّدة، لكنَّ المسافة بعيدة حتى لمن يجيد السباحة، لست سبّاحاً جيّداً، لكنّي قادر على تدبّر أمري، أما صديقي بهاء فلا يجيد السباحة! طمأنته بشأن الحصول على سترة نجاة له فقط، غير أنَّه ردَّ بلغة يائسة: الأمور سيئة يا صديقي.
كانت سترة النجاة أقصى ما تتمنّاه في حينها، لكنَّها شحيحة ولا يتوفر منها الكثير.
اذكر أنَّ قارباً صغيراً اقترب منّا مهتدياً بصراخنا العالي، فحاول مراهق أفغاني القفز فيه أوّلاً، لكنَّهم عاجلوه بالدفع والرّكل المبرّح. كان الجميع يصرخ طالباً النجدة وهو في وضع الجلوس. اقترح شاب ضخم مصاب بداء الثعلبة، ان يقفز الى القارب لاستقبال الأطفال أوّلاً، فأيّده كلّ من حوله، وبعد أن قفز اختّل توازنه فسقط وسط المياه، وكانت المفاجأة السارّة أنَّه وجد الماء ليس بالعميق المخيف، وأنَّ أي شخص يمكنه المشي الى الساحل!
يبدو أنَّ المراهقين الذي صعدوا الى قمرة القيادة جنحوا بالسفينة الى المياه الضحلة فارتطمت بالصخور! مدّوا حبلاً طويلاً من السفينة الى الساحل، قفزنا من المركب، أمسكنا الحبل ومشينا باتجاه الساحل، توجّب علينا مقاومة موجات الماء بأجساد منهكة وجائعة، الى جانب وخز الأرض الصخرية الصلبة ونهاياتها الحادّة كمسامير.
اعتقدنا أنا وبهاء، أنّ الشرطة ستقبض علينا حال وصولنا الى الساحل باعتبارنا مهاجرين غير شرعيين!
تركنا كلّ شيء ومشينا مسافة أكثر من 500 متر لنجد منزلاً ريفياً متواضعاً، فطلبنا المبيت عندهم حتى الصباح مقابل بعض المال لنرى ما يمكن فعله، كنت حافياً ولا أعلم أين ذهبت حذائي! قضينا ليلتنا في الكوخ، لا أدري كيف نمنا، لكن الإعياء كان رهيباً.