طبيعة الجرائم المرتكبة بمحافظة نينوى
تواجه المواطِنات والمواطنون العراقيون بالداخل والخارج أسئلة كثيرة تشغلهم كثيراً وتتعبهم وهم يتحرَّون عن إجابات لها عبر حواراتهم الذاتية غير المتوقفة، أو عبر نقاشاتهم مع الآخرين، وكذلك عبر قراءاتهم للمقالات والدراسات التي تنشر في الصحف والمجلات المحلية والإقليمية والدولية. ورغم الآراء الكثيرة التي يطلعون عليها ويحاورونها، لا يكفون عن التفتيش عن إجابات لأسئلة كثيرة أخرى، إذ أن ما حصل ويحصل بالعراق، يتجاوز المعقول في علوم السياسة والاقتصاد والاجتماع، وفي العلاقات الدولية.
ومن بين تلك الأسئلة نذكر:
- ما هي طبيعة الجرائم التي ارتكبت من قبل داعش وأعوانه بالعراق وكيف تسنى له ممارسة كل تلك الجرائم في سنوات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين؟
- كيف استطاع داعش غزو العراق والهيمنة على عدد من محافظاته والغدر بأجزاء من شعب العراق منذ بدايات العقد الثاني من هذا القرن؟
- كيف تتحقق النجاحات للقوات المسلحة العراقية ضد داعش، وما هو ثمنها، وبماذا تقترن؟
- هل يمكن توقع عودة داعش أو نشوء من يماثلها من القوى الإرهابية بالعراق؟
- ما هي السبل لتجنب ذلك ووضع العراق على الجادة السليمة؟ وما هي تلك الجادة السليمة؟
في هذه المقالة المكونة من عدة حلقات يحاول الكاتب المشاركة في الإجابة عن الأسئلة المطروحة، علماً بأن ليست هناك وصفات وإجابات جاهزة، هو اجتهاد يتبناه الكاتب.
ما هي طبيعة الجرائم التي ارتكبت، وما تزال ترتكب، من قبل داعش وأعوانه بالعراق، وكيف تسنى له ممارسة كل تلك الجرائم؟
لم يعد خافيا على أحد سعة وعمق وشمولية وتنوع الجرائم التي ارتكبت، وما تزال ترتكب، من قبل تنظيم داعش ومن سانده، أو ما يزال يسانده، بالداخل ومن خارج العراق، ضد الشعب العراقي عموماً، وضد اتباع الديانات والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية في المحافظات التي ابتليت به، وهي الأنبار، صلاح الدين، نينوى وأجزاء من كركوك وديالي، إضافة إلى التفجيرات المتلاحقة والمستمرة التي تحصل بمدن مثل بغداد وبابل وكركوك وديالى وغيرها.
إنها جرائم تعيد إلى الأذهان جرائم هتلر والنازية بألمانيا الفاشية، وجرائم فرانكو الفاشي ونظامه العسكري بإسبانيا، وجرائم سالازار الفاشي بالبرتغال، وجرائم صدام حسين وحزبه ونظامه الفاشي ضد الشعب العراقي عموما، ولكن وبشكل خاص جرائم الإبادة الجماعية ضد الكرد والكرد الفيلية وعرب الأهوار والوسط والجنوب، بل وزاد عليها بتطبيق ما سمي ببنود الشريعة الإسلامية في التعامل مع غير المسلم أو "المسلم المرتد!"، أي غير الملتزم بعقيدته المنبثقة عن الوهابية وعن أبن تيمية قبل ذاك، ثم الغلواء فيهما.
لقد غزا الداعشيون الموصل ومن ثم توسعوا بنينوى ومارسوا القتل والسبي والاغتصاب والتشريد ضد المسيحيين والإيزيديين والشبك والتركمان الشيعة، وضد السكان السنة الذين رفضوا التعامل معه أو الخضوع لإرادته، وهم الغالبية بعد أن أدركوا حقيقته، كما مارسوا بشكل خاص السبي والاغتصاب وبيع النساء الإيزيديات في سوق النخاسة باعتمادهم على التراث الإسلامي في حروب الغزو ضد الأقوام والمناطق وأتباع الديانات الأخرى، التي أُطلق عليها إسلامياً بـ"الفتوحات الإسلامية!" على امتداد تاريخ الإسلام السياسي والحكام الذين تبنوا الإسلام ديناً لهم و"لدولهم التي لا يمكن أن تكون ذات دين" بأي حال، باعتبارها شخصيات معنوية أو اعتبارية لا غير! وهي لم تكن سوى عمليات توسع ديني على حساب الديانات الأخرى وأتباعها، واستعمار مناطق أخرى لصالح الحكام الجدد وأتباعهم من المسلمين. والتاريخ الإسلامي الطويل مليءٌ بما يماثل ما يمارسه الإرهابيون الجدد بالعراق وسوريا واليمن وليبيا، وكذلك العمليات الإرهابية التي ينفذونها بالدول الغربية، باعتبارها ديار حرب يرتكبون الجرائم البشعة لتحويلها إلى ديار السلام أو الإسلام!!. لقد اعترفت الأمم المتحدة أخيراً، والكثير من دول العالم، ومنها الولايات المتحدة، بإن الجرائم التي ارتكبت وترتكب بالعراق من قبل تنظيم داعش ومن يسانده تعتبر جرائم إبادة جماعية وضد الإنسانية، جرائم لا تتقادم أبداً، وينبغي تقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى العدالة لينالوا الجزاء العادل. إنهم وحوش كاسرة وعدوانية بأسماء بشرية ووجوه كالحة.
إنهم من حيث المبدأ خارج الزمن، فهم الماضي المريض في الحاضر العليل في بلادنا، الذي لا يمكن ولا يجوز أن يدوم، إنهم استثناء في حركة التاريخ وقوانين التطور الاجتماعي، وأفعالهم تجسد ارتداداً فعلياً وجزئياً على حركة التاريخ وقوانين التطور الاجتماعي والحضارة البشربة.
إنهم القوى الخاسرة في المحصلة النهائية، رغم ما تسببوا به، وما زالوا يتسببون به، من موت جماعي ودمار وخراب شاملين، ومحاولة وقحة لتهشيم الذاكرة الحضارية للإنسان العراقي والبشرية، إنها بشاعة في السلوك غير الآدمي وتخلف مرير وارتداد هائل عما تحقق للمجتمع العراقي من منجزات مدنية نسبية إيجابية خلال الفترة 1921-1962، وقبل وقوع الانقلاب الفاشي في العام 1963.
كما إنه ارتداد أعمق وأشمل عما تحقق للبشرية جمعاء من منجزات حضارية رائعة وهائلة خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية حتى الوقت الحاضر.
العوامل التي ساعدت داعش على غزو العراق
لم يكن في مقدور هذا التنظيم المتوحش أن يغزو العراق، وأن يمارس كل هذه الجرائم، وأن يواصل وجوده بالعراق منذ العام 2013 حتى الوقت الحاضر، لولا وجود عوامل أساسية فاعلة ومساعدة حتى الآن، والتي يمكن الإشارة إليها والبحث فيها على وفق منهج البحث والمفردات المطروحة للمعالجة، وأبرز تلك العوامل:
1.الواقع السياسي والاجتماعي العراقي بالارتباط مع تركة النظام الدكتاتوري السابق، وتركة سياسات وسلوك قوى الاحتلال الأمريكي بالعراق، وطبيعة النظام السياسي والاجتماعي الطائفي الذي فرضه الحلفاء على البلاد، والصراعات الدائرة بين قواه الإسلامية السياسية غير الشرعية والمتعارضة في وجودها وطبيعة نشاطها مع بنود الدستور العراقي لعام 2005.
2.دور قوى ودول الإقليم الشرق أوسطي في التدخل الفظ بالشأن العراقي الداخلي وامتداداتهم السياسية والاجتماعية بالداخل العراقي، ونقلهم صراعاتهم الإقليمية إليه، وبين فئاته الاجتماعية واتجاهاته الكرية والسياسية قومياته.
3.الدور الملموس للواقع الدولي الراهن الذي يشير إلى عودة الحرب الباردة بين الدول الكبرى عمليا وتجلياتها في الواقع العراقي والشرق أوسطي بشكل خاص. وتتجلى أيضاً في سباق التسلح الجديد على الصعيد الدولي والأوروبي والشرق الأوسطي.
إنها العوامل التي نسعى للبحث فيها في حلقات هذا المقال.