ضجة ربما أكبر من حجمها أثيرت بشأن ملفات وصفت بالكبيرة والخطيرة جداً سلمتها النائبة ماجدة التميمي بيد دولة رئيس الوزراء، وهي كما أشيع تخص ممتلكات الدولة وعمليات التلاعب بوثائق التسجيل العقاري وما إلى لذلك، لنفترض أنها فعلاً ملفات بمستوى الخطورة، لكن يا ترى كم من الملفات أغلقت بجرة قلم؟
وكم من الملفات ما تزال تنتظر؟
وهل يمكن لدولة رئيس الوزراء لوحده أن يقارع حيتان الفساد التي خربت اقتصاد البلد وأهدرت المال العام، وتلاعبت بقوت الشعب وحقوقه الطبيعية في التعليم والصحة والغذاء والعمل ومستقبل الأبناء؟
لنفترض أن الحكومة ستنجح باسترداد أموال الدولة وعقاراتها، فهل سينتهي الفساد؟
هل سيعفُّ الفاسدون أو ينالوا جزاءهم العادل؟
الفساد يا سادة يا كرام أصبح سلوكاً عاماً، ونسقاً ثقافياً له مبرراته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وهو ليس مجرد ملفات كبيرة، إنما هو ثقافة نشأ عليها غالبية الناس بعد 2003، يبدأ من الزبال وعامل الوقود والموظف البسيط في مختلف ميادين الحياة ومؤسساتها ومن المواطنين أنفسهم، إذ تشهد ساحات القضاء ملايين القضايا ضد السراق واللصوص والنصابين والمحتالين، فساد في توزيع المواريث وفي الأملاك وبين الأزواج وبين الأخوة والجيران والأصدقاء صعوداً إلى أعلى المراتب الوظيفية والاجتماعية وفي مختلف ميادين الحياة، ولا نغالي إذا قلنا إن النزيه أصبح أنموذجاً مستبعداً ومحارباً، والشريف المسالم أصبح مغفلاً مهضوماً حقه يقبع في زاوية حيرته مما وصل إليه حال الدنيا، أما اللص السارق بما يمتلك من جرأة حمقاء أصبح مهاباً، فكم من فاسد يستقبل بحفاوة في المحافل العامة؟
وكم من شريف يمر مرور الكرام، ما لم ينظر إليه باستصغار لكونه لم ينتهز فرصة للثراء من المال العام برغم تحصيله العلمي وما تبوأه من مناصب في العمل، كم كادح يعيش بعرق جبينه ينظر إليه بتندر ودونية، وكم من سارق ومحتال يتملقه ضعاف النفوس؟
الفساد لم يعد سبة بل أصبح بطولة وذكاء وشطارة، المجتمع نفسه لا يجرؤ على مواجهة المفسدين، فخلف كل فاسد حزب وميليشيا وعشيرة وأتباع ومريدين يحولونه في لحظة إلى بطل قومي، وهناك إعلام مأجور وصفحات تواصل مدفوعة الثمن ومجاملات وعمليات ابتزاز سياسي، وملفات ربما أخطر بكثير مما سلمته التميمي لدولة رئيس الوزراء.
ويبدو أن نظامنا المؤسساتي الذي بني على المحاصصة الحزبية والطائفية قد وفر بيئة منعشة للفساد المتبادل، والغالبية العظمى متورطة واللصوص الذين لم يتم القبض عليهم أثناء عملية السرقة يخشون أن يلقى القبض عليهم وهم يقتسمون ما سرقوا.
النائبة التميمي جزاها الله خيراً قد بادرت، وننتظر مبادرات أخرى فالملفات لم تنتهِ، والسيد عادل عبد المهدي يبدو جاداً في الإطاحة برؤوس الفساد، لكن هل يتمكن من ذلك ما لم تقف الأحزاب والنخب والقضاء والهيئآت المختلفة بصفه؟
وهل تجرؤ الأحزاب الكبيرة على الوقوف ضد الرؤوس الفاسدة التي تعدها رموزاً؟