-4-
الحلقة الرابعة
" لم يكن الموت بين أعضاء الحزب شيئا غريبا.. كانوا يسمونه "التصفية الجسدية – او الفيزياوية".. كانت عملية الموت نفسها شيئا تكنيا أما الموت كعامل في معادلة فقد- فقد- لامحه الجسدية.. - "اربع سنوات ونصف. تعذيب وسياط وجوع وعطش واهانات وحرمان من التبول والنوم. والعلاج.."
-1629ليلة وليلة بانتظار الموت-
1
كنا-55- "رجلا" متهمين بالتامر على- صدام- وخيانة حزب البعث والوطن..
وبعد غروب الثامن من أب 1979.. تغير الطقس.. فاصبحنا 33 رجلا.. ميراثنا السجن.. بعد ان اصدر-صدام-حكم الموت بحق 21 رجل. "-وزير ووكيل وزارة وسفير.. مدير عام.. قائد فرقة عسكرية.. ضباط بمختلف الرتب استاذ جامعي، دكتور، صيدلي، اديب، صحفي..*"
2
ايها المتأمرون.. الخونة!
قال -برزان– لبطانته..
- 1.اخفضوا اوزانهم الى الثلاثين كيلو غرام..؟
- 2.تمنع الحركة والكلام والنوم والاكل والماء والبول.. الا بأمر من السادة الضباط..؟ (تذكرت.. العقيد صالح الحمداني.. وقد زهق مرة من -السادة الضباط.. فقال..
- أتريدون منا ان نخاطبكم بكلمة- سيدي الضابط وأعلى رتبة فيكم.. -لو جندي اول لو نائب عريف-؟) - 3.عليكم نسيان اسماءكم واعتماد اسماؤكم الجديدة -حتى الحشرات تستحق الرحمة.. الا انتم ايها الخونة.؟
- أغبر.. جربوع.. زمال أحبيني.. أرول.. ثور.. وو- - والان اسمعوني التعداد؟
* غرفة اربعة.
الثور.. نعم سيدي!
* الغرفة 3..
الزمال سيدي..؟
-ها يا خونة.. الزمال سيدي.. هيا افتحوا الابواب.. اخرجوهم..
توالى الرفس والضرب..
ماذا سيعرف التاريخ عن الحرق وقلع الاظافر والكوي بالنار والتجويع والعطش والصعق الكهربائي..؟
- نحن محكومين بالسجن.. وهو ما ينفي عنا هذه الوسائل القسرية؟
*صدام يريد أسقاطنا اجتماعيا حتى ينسى الحزب والشعب من نكون بهذه الوسائل الدنيئة ويصفي حساباته القديمة معنا..!
3
ايها المتكبر والصلف.. الست القائل.. نحن حزب ام فاشيست.*1؟ -والان الق ما عليك.. شرائح متشققة من الدم والجلد البشري وتمدد.. سالقى عليك الدثار..-سطلة- من الماء المثلوج.. الم تسمع بشباط الازرق..؟ حتى الجواميس تترك الماء الا الخونة.. داس كعب البسطال.. فوق الجروح.. اش..!! غاب الوجود والله والسماء والبرد.. لا صوت، لا انين الا للحيطان الميتة.. 14بوابة يؤرجحها الفراغ.. الارض كونكريتية مبللة بالماء والدم.. من هنا عبروا وستلحقهم الليلة.!
- المقدم منعم هادي الكاهه جي.. كردي سعيد عبد الباقي. * مرتضى سعيد عبد الباقي –احمد العبيدي، المقدم صالح فليح الساعدي.. العقيد الركن عبد الواحد معيدى.. العميد الركن حامد الدليمي.. طاهر حبيب.. العقيد الركن رياض قدو. فاضل العبيدي.. على جعفر حسين.. حسن محمود طه.. محسن الذهب.. محمد صبري الحديثي..!!
4
- احتفالية تعذيبنا اليومية بلا حدود.. بلا نوم او قعود او ماء او دواء 20 ساعة من الانتظار..!
هراوات واخشاب وقضبان وكهرباء وتعري ودوش من الثلج بلا اصوات وانين.. مزالق الصابون والقعود الى الوسط والوقوف على الراس.. الفلقة.. الصعقة الكهربائية.. التعليق من الاكتاف والرجلين..
5
* يا طاهر.. تحّمل قليلا.. ذراعك مثل مستنقع اخصر والعفن بركة من الطحالب.. لقد اصبت بالغرغرينا؟*2
"انا في المانيا منذ اسبوعين في اجتماع لاقرار الادوية التي نريد انتاجها في العراق لنوفر السلامة لمواطنينا ولا اجد وقتا احك راسي فيه. سالت زوجتى كيف امي والصغار وما اخبار الوحدة ابلغي رفاقي في المؤسسة.. التحيات."
* يامنعم.. ساقك كسيرة.. شقيقاتي .. سبع نساء بلا معيل ولا قريب.. وانت مصاب بالغرغرينا وعما قريب سيدب العفن..*3
* حامد الدليمي.. جرجروك من المطار بالضرب امام زوجتك واطفالك.. وظلت 37 شظية في صدرك.. أحرقوه حيا ليموت من التسمم.. *4
* رياض قدو ..انتهت الاجازة وساعود الى موسكو انزلوه من الطائرة ..حتى محمد محجوب –صهره- تفأجا من وجودة في القاعة..قتل - لانه بدد الماء...*5
* يا كردي.. صغيرتي –بسمه- لاتطيق فراقي.. تشم رائحة ثيابي.. كنت احتفظ بالفانيلة والدم لاريها لبناتي.. لقد ضربوه.. 140 صونده محشوة بالقضبان مزقت مثانته..*6
* - عبد الرزاق العبيدي.. قتلوك.. لانك لم تحجز لهم مكانا فى مصلحة نقل المسافرين..؟*7
* محسن الذهب.. يا -ابا محمد رضا- شلخوك-نصفين.. واحرق كفوكك بالكحول 100 صوندة اضافية*8
* حسن محمود طه.. كسر.. ظهرك بالبسطال.. ازحف.. يا نائب حركة التحرير العربية*9
* حسين العاملي.. مت من القرحة..*10
* محمد صبري.. انك لم تقبل المساومة فلنخسف بك الارض.. لقد كوموا فوقه 33 رجلا فتكسرت اضلاعه..*
* مرتضى.. اهذا السجن الذي افتتحته لنا.. والان خذا هذا القرص انه خاص بمرضى القلب*
* عبد الواحد معيدي.. كان علّي الالتحاق باللواء10 وطريق السليمانية يقطع في الثالثة ظهرا ولابد من الاستئذان من قائد الفيلق في كركوك فاقترح –ياوره- ان اكتب له رسالة اعتذار فوضعها تحت- الجامة.- فوجدها- برزان- تهمة بالخيانة*
* المقدم صالح فليح.. دعوت رفاقي في المكتب العسكري الى العشاء بعد صعود صدام للرئاسة.. وليد وزهير شكري ومحمد عبد اللطيف وسعدون مصلح الدليمى.. فاتهمنا –برزان- بالتامر باستثناء سعدون مصلح!!*
* لماذا انت هنا يا سليم.. بطل معركة دمشق؟
- لقد قلت انا وحامد الدليمي.. عدنان خير الله.. لا يستحق وزارة الدفاع..*12
6
* عيد الفطر
ايقظونا فجرا سمعت ابتهالات العيد لاول مرة.. بعد ان وضعوا ترانسستر فامسكت بالمحجل..
-قال قيس –العبد-.. -اكلت زين وشربت زين ونمت زين.. وساقدم لكم العيدية..؟
كانت العصى تكوى اكثر من النار الا بصيصا من الضوء تسلل من ثقب في الغطاء الحياة.
7
-قال ..ابن هويش..
-هل تبولت في الدورق هيا اشربه.. يابدر؟
-قال النقيب عدنان ابراهيم.. لمسؤوله العسكري.. زين شلون تكولون- محي عبد الحسين ايراني.. زين وين كانوا من اختاروه للقيادة القطرية.. لقد جرجروك من ساحة العرضات الى التامر.
**
الهوامش..
- 1.* أعترضت على تهديد مهندس مصري.. هددوا بالقاءه في حوض للتيزاب.
- 2.* طاهر الربيعي رئيس مؤسسة سامراء
- 3.* المقدم منعم هادي الكاهه جي..
- 4.* العميد الركن حامد جاسم الدليمي.. السفير في كراجي.
- 5.* العقيد الركن رياض قدو الملحق العسكري في موسكو
- 6.* كردي سعيد عبد الباقي محافظ ديالى
- 7.* علي جعفر حسين عضو مكتب العمال المركزي
- 8.* فاضل عبد الرزاق العبيدى مدير عام النقل
- 9.* مرتضى الحديثي وزير الخارجية
- 10.* العقيد الركن عبد الواحد معيدي
- 11.* محمد صبري الحديثي وكيل وزير الخارجية
- 12.* المقدم الركن صالح فليح السا عدي عضو المكتب العسكري
- 13.* العقيد الركن سليم شاكر الامامي رجل معركة دمشق.
- 14.* كانت زنزانات الاحكام الثقيلة في-سجن ابو غريب فارغة- قبل نقلنا الى سجون المخابرات الانفرادية وعلى الحيطان خطت كلمات مضطربة كتبها احد المجرمين.. لقد حكمت يوم 25 اذار 1979 بالسجن المؤيد وافرج عني يوم 18 اب 1979.. بالعفو العام ومنحت مكافئة 50 دينارا خرجيه.. الله يطول عمر الريس!!
"عفو أستثنى الجواسيس وخونه الوطن –نحن-"
**
-5-
الحلقة الخامسة
1
- تركوني في الطابق الثاني وحدي سمعت صوت المطر ومن ثقوب- الجينكو -رايت نخلات يهرها المطر متى يبلل المطر وجهي.. طقس افتقدته من سنوات.. تناهى لي صوت حمامة تنوح.. بكيت بلا ارادة.. اشتقت لامي وابي.. شقيقاتي واشقائي.. احبائي.. رائحة كتبي.. شموعي.. هو الشتاء الخامس فمتى يتوقف عذاب -برومثيوس.. سارق النور من الطغاة.. متى يرجع الامير الصغير.. ما الحياة والانتظار..؟
2
قال العميد المظلي.. فارس حسين..
- لن ننتظر اكثر فالموت يزحف الينا فكل فجر يغيب احدنا بلا رجعة ولم يبق منا
الا حفنة.. وسيدفنون الشاهد.. وقد قررت الهجوم على - جاسب- وانتزاع مسدسه وارغامه على فتح الابواب واخذه رهينة.. وستنقلنا سيارة - كريم عيسى- حتى يتهيا لنا -كوستر- لبقية رفاقنا..
- قال العقيد محمد عبد اللطيف.. المسدس بلا عتاد ومحاولتك ستكون انتحارا جماعيا.. -نحن ميتون.. ولابد من دماء.. حتى يسمع العالم.!!
3
اعتادوا الازعاج الليلى فاصبحنا- حقل-تجارب لنظرياتهم.. هيا؟ فتحت الزنزانة فارتفع الصرير المثير للخوف فدفعني بخشونة.. انزل؟
القوا على وجهي برقع اسود نتن الرائحة..
راحت الطبقات تتعثر والسكون.. الارض باردة والطقس وانا الاعمى يتسلون بتعذيبي.. والان.. قف؟ .. انت محكوم بالاعدام لخيانتك السيد الرئيس والحزب والدولة وسينفذ بك الحكم الان.. صمت!
أكتب وصيتك؟ ليس لي من شي اوصى به الا هذا البرقع.. اريد ان اتنفس رائحة المطر..؟
بل سنجعلك تتنفس التراب!
-كان الثلاثة –باركون- على الارض.. لم ار غير التماع الماسورة وحجاب حالك السواد.. فتلاشى الزمن والحياة..
- هه.. كنا نجرب عليكم كيف ستموتون..؟
- ذات يوم جرّب –القيصر- حكم الاعدام على الروائي دستويفسكي.. وفي ساحة التنفيذ عفى عنه ثم نفاه الى سيبريا.
4
قاعة طويلة.. جلسنا متقابلين الخوف من الكلام.. الحراس يخافون الدخول من الرائحة المرعبة.. هم ضجرون يريدون الضرب.. للحظات قال.. مرتضى لكردي البنات بخير.
- مسلم وين مناف؟ هيا احلق وجهك وضع- القولونية-777 .
قال.. على علوش.. اطمئنوا.. مناف.. اوصله ابو النعلان الى بيته بعد ان توسط صهره- فاروق عبد سعيد –صدام.. قائلا لم تبق الا الارامل.
قال.. تعّلق بالباب فضغط الباب الحديدي على قدمه صباحا سحكة سوداء..
اخرجوا صحونكم.. نمدها من تحت الابواب صمت.. لم يفتح باب- احمد العبيدي.. فظل ماعون البلاستيك.. في مكانه.
6
قال.. وهو يريه القاعة الجانبية.. بطانيات مكورة.. وبرك من الدم المتخثر.. لقد نفذ.. مانع.. اعدام كوكبة من الاسرى بالمسدس.. استعمل المخدات لحجب الصوت ثم نقلوا جثثهم لتدفن.. على انهم قتلوا في الجبهة.
7
16 ساعة من الارهاق والتعذيب والجوع والعطش والنعاس وانا ابتلع التثاؤب ناموا حج الصوت.. فراحت شرائط البطانية السوداء الدم والدبق والقذارة تتهرا..
ارتفع الشخير المختنق والانين.. ومن الطابق الارضي ارتفع همس عال..
-الغرفة- 5- لا اريده ان يرى الفجر..!
- يو.. اخترقني الصوت البشع وانا اتهيا للنوم..!
فتصاعد الصوت.. متوالية من الرغبة في القتل وحتى لا تتوهمون.. ساريكم المكان؟
تلاشى النعاس والشك.. وراحت قوادمهم تطب الدرجات الحجرية فانقليت على جانبي الايمن ملتصق بالجدار.. وهم يقتربون واجنحتهم الغبراء تظلل الليل..
انا ميت منذ اربع سنوات فماذا سيتغير.. وكيف سيكون موتي.. وقد سبقني الرفاق.. هل انتظره ام اغفو لارتاح..؟!
رجع الصوت القاتل.. انتظروا نصف ساعة قبل التنفيذ الى ان اتصل بكم..؟
وبعد عشر دقائق رن الهاتف.. قال صاحب الصوت الجنائزي.. مع الاسف.. اوقفوا التنفيذ..!.
حين استيقظت في اليوم التالي رايت الشمس تفرش باحة السحن أهي الاخرة.؟ هل كنت في كابوس.؟
رايت الوحش.. يحتضن قدر الطعام.. ويغرف لي.. التمن والفاصوليا وعلبة لبن وعنقود من العنب الابيض لاول مرة.
- كل بصاية.. العزيز أصدام.. والا كنت اليوم..
-مدفونا -فى سامراء او النجف؟
" مال الصحن المملوء فاسندني.. حميد عبد اللطيف البدري.. هامسا لقد سمعت الليلة الفائتة قرار اعدامك لان زنزانتي مجاورة لهم ولم ار النوم لخوفي عليك؟*
رن الهاتف.. حاشية..
قال – فاضل براك- لصدام- ليلة قرار تنفيذ الاعدام.. سيدي الرئيس..
الجماهير فرحة بعيد ميلادك.. هم شباب اخطاؤا.. فاعفوا عنهم لتتم الفرحة للكل..
نظر صدام لساعته قائلا..
اسرع بايقاف الموت.
**