لا نستطيع تجاوز جمال باشا المعروف بالسفاح، كلما اردنا استذكار تاريخ تركيا الحديث منذ اواخر السلطنة العثمانية حتى يومنا هذا فكم يذكرنا الامس باليوم خاصة وان الرئيس الحالي لتركيا، رجب طيب اردوغان، يشبهونه له ويطلقون عليه العديد من التسميات فمنهم من قال عليه انه ديكتاتوري، واخرون يقولون انه يريد استرجاع امجاد السلطنة العثمانية واخرون قالوا انه جمال باشا السفاح الثاني.
فمن هو جمال باشا؟
كان جمال باشا قائداً للبحرية العثمانية وعيّن حاكماً له مطلق الصلاحيات على سوريا وبلاد الشام عام 1915.
اشتهر السفاح باحكامه العرفية التي اصدرها اثناء توليه ادارة شؤون بلاد الشام خلال الحرب العالمية الاولى حيث قام بقمع الفكر العربي الذي كان ينادي بالاستقال عن الحكم العثماني وقمع كل المفكرين والمثقفين والثوريين وغيرهم ممن اتهمهم زوراً بالخيانة العظمى فقام بالاعتقالات وتعذيب المساجين وعلق مشانقهم. وكان سجن عالية في لبنان شاهداً على ارتكاباته وظلمه للعرب، قاطعاً لسان كل عربي نادى بوقف الاحتلال العثماني.
كان خوفه كبيراً من العرب ورغبتهم في تطوير مجتماعتهم الصغيرة عبر انشاء الجمعيات الخيرية والمدارس الابتدائية والثانوية وافتتاح الجامعات وفوق هذا كله، كان الخوف الاكبر من انتشار العلم بين عامة الناس وتعلم البنات التي كانت ضد اعرافهم البالية حيث كانوا حريصين على قمع المرأة وتغطية وجهها وعينيها عن رؤية الدنيا بألوانها الحقيقية وشروق شمسها الدافئة والنور، نور العلم والمعرفة وهو الامر الذي لم يأمر به ديننا الاسلامي الحنيف الذي حض على العلم بدون عزل المرأة عنه ولم يكن ديننا يدعو الى الجهل بل قال الله في كتابه العظيم في اول آياته "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق، اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علّم الانسان ما لم يعلم" سورة العلق.
إذاً كان الاحتلال العثماني قائماً على اعمدة ثلاثة وهي القوة العسكرية والجهل بين عامة الشعب والتمسك برجعية عادات وتقاليد الكثير منها لا يمت للدين الاسلامي بصلة ومنها حرمان المرأة من العلم كما ذكرنا وغيرها الكثير.
جاء جمال باشا الى لبنان وكانت له صولات وجولات في حفظ ماء وجه المملكة العثمانية حتى سطع نجمه في ابتكار انواع الاجرام والتفنن بها وزاد هذا من غروره فظهرت له اطماعاً وصلت به الى احلام التفرد بحكم منطقة سوريا الكبرى باستقلال عن حكم الباب العالي مما اغضب الكل منه، الانكليز والفرنسيين وطبعاً، العثمانيين الذين حكموا عليه غيابياً بالاعدام ولكنه فرّ الى بلاد آسيا الوسطى وعمل في السياسة العسكرية وكان مكروهاً حتى في افغانستان فتم اغتياله والقضاء عليه عام 1922 على يد أرمني بسبب تورطه في ابادة الارمن في حملة واسعة ضدهم سميت بعملية نيمسيس أي "العقاب".
لم يدم حكم جمال باشا السفاح طويلاً ولم ينجح طبعاً رغم كل بطشه ونشر الذعر في صدور الناس واحكام اعدام المثقفين العرب الجماعية المشهورة، بل كل هذا اثار غضب الشعب العربي فانتفض وبدأت الثورة العربية تأخذ مجدها رغماً عن أنف العثمانيين آنذاك وبغض النظر عن الاخطاء الفادحة التي ارتكبتها، الا انها كانت ثورة. اما الذين يشبهون حكم الرئيس رجب طيب اردوغان الى حكم جمال باشا فإنهم يستندون الى ما يقوم به الان الرئيس أردوغان في قمع ما سموه انقلاباً على الدولة التركية، فقام باعتقال الالاف من الاتراك المشتبه بتورطهم في الانقلاب واقال الالاف من مناصبهم وعيّن مكانهم موالين له ولحكمه واقام واقعد الدولة كلها حتى ليخيل لكل من يشاهد هذه الاحداث ان أردوغان قد قلب الدولة الى معتقل كبير زج فيه كل من خالف فأتهمه بالخيانة وأقفل باب مورد رزقه واعتقله وعذبه وفوق هذا كله فإنه يطالب الآن بتشريع قانون الاعدام ليصدر احكامه باعدام كل من خالفه، متحملاً انتقاد الدول المتحضرة لهذا الفكر خاصة دول الاتحاد الاوروبي الذي كان هو مصراً على الانضمام لها.
ان طرح هذا الموضوع بالذات – اي اصدار احكام الاعدام - قد حمل العديد الى تشبيهه للسفاح جمال باشا حيث اشتهر باعدامته وجبروته ومن جهة ثانية فإن المراقبين يخشون على أردوغان ان يتمادى اكثر فيكرهه شعبه وتكون نهايته كنهاية السفاح الذي اعادوه الى بلاده جثة هامدة.
قد يكون التشابه غير عادل احياناً فالفرق بين جمال باشا واردوغان أن الاول كان فاشلاً في قيادته لجيشه الذي ورطه في معارك ومهالك لا تُحصى نذكر منها المعركة الطاحنة في السويس، وكان ايضاً سبباً رئيسياً في المجاعة التي حصلت أنذاك ومات جوعاً الالاف من الناس. الا ان اردوغان ليس فاشلاً عسكرياً ولم يجوع شعبه، فهل هذا يشفع له ويخفف من ثقل الميزان الذي حمّله مؤخراً من اعتقالات واقالات وتعذيب وربما في المستقبل القريب، اعدامات جماعية؟
سوف نرى ونشهد اذا أطال الله في عمرنا.