نحن في ذكرى غياب الصديق الأستاذ بطرس عنداري الثالثةِ، وعلى الرّغمِ، وبتعبيرِ الصديقِ الشاعرِ شربل بعيني: "لن يقدرَ الموتُ مهما كان عتيّاً مِن حجبِ شمسِه". كان صاحبَ "قلم وحلم" بتعبيرِ رئيسِ تحرير نهارِ سيدني الصديق أنور حرب، وحقّاً ما أجملَ هذا التعبير.
**
سيرةُ بطرس عنداري الكاتب والأديب والإعلاميّ والصديق والأخِ أقلُّ ما يُقالُ في متنها ومتانتِها وعزّتِها وشموخها أنّها أرزةٌ شاهدةٌ على وقائعَ وجرأةٍ وعطاءٍ حتّى آخِر رمق. وأجرؤُ وأقولُ أنّ الذين عرفوا بطرس عنداري ومنهم السادة: جون بشارة، طوني مارون، إيدي زنانيري، جو خوري، عبد القادر قرانوح، إميل الشدياق، كامل المرّ، جورج إسبر، حيدر سعيد وغيرُهم كثيرون يشهدون أنّه كان ضميرَ الجاليةِ اللبنانيّة والعربيّة في عمومِ أستراليا، كان عميدَ الإعلامِ المهجريّ الأستراليّ بامتياز، وكان بعيداً عن الأنانيّة، وهذا البُعدُ بتعبيرِ الصديق الدكتور رغيد النحّاس هو في صُلبِ "الرقيِّ الحضاري".
**
لم يلتقِ بطرس عنداري أبو زياد صاحبَ موهبةٍ في الشعر أو في الأدب والفنّ عموماً إلاّ وشجّعَه في ميدانِ الخلقِ. ولم يحدْ عن الحقّ حين قال الصديقُ الدكتور عماد برّو أنّ بطرس عنداري كانت فيه "فضائلُ الكبار" الناهضة على قاعدةِ الرقّة والتواضع.
**
كثيرونَ كتبوا في أبي زياد حاضراً وغائباً، كثيرونَ كتبوا في قلمِه الذي صار أقلاماً وصحفاً وفي زهرتِه التي صارت مرجَ رياحين، ولطالما نقلوا عنه دعوتَه لأن تكونَ الأفكارُ والعقائدُ مشاعلَ تنيرُ الدربَ لا محارقَ تهلكُ الزرعَ والضرعَ، وأن تكونَ الكلمةُ بتعبيرِ الأستاذ جورج ديّوب دعوةً إلى وحدةِ الصفِّ من أجلِ وحدةِ العالمِ العربيّ عِوضَ التناحر وتمزيق الصفّ.
**
يا بُوْ زيادْ كْتارْ مِنّا بْيقعْدو \ بالمجتمعْ وبْيدْعو بالعلْمنِهْ \ عْيوننْ بْتقشعْ بالبصيرهْ ما اهتدُوا \ طواويسْ مهما تْزعّمولنْ كَمْ سِنِهْ" يقولُ الصديقُ يوسف جبرين شعراً. ويقولُ الصديقُ الأستاذُ جورج هاشم نثراً: "بطرس عنداري صاحبُ زاويةِ "كي لا ننسى" لا يُنسى، وإذا شئتم تكريمَ بطرس عنداري تمثّلوا به".
وقالَ الكاتبُ والإعلاميُّ الأستاذ أسعد الخوري أنّ بطرس عنداري "كان يعملُ وسط جاليةٍ صعبةِ المِراس، لكنّها شديدةُ الوفاءِ لمن يضحّي من أجلِ تقدُّمِها".
**
"غيابُه الفجأةُ أسطعُ برهانٍ لحضورِه المميّز" قالت بأبي زيادٍ الصديقةُ الأديبةُ شادية الحاج حجّار.
"لم يكن مجدُه في الحساباتِ المصرفيّةِ بل بالفكرِ والإعلام" قال الصديقُ الشاعرُ سايد مخايل.
"كان مؤمناً بعقيدةٍ وحدويّةٍ ودائمَ الحضورِ" قال الصديقُ الدكتور فؤاد الحاج صاحبُ كتابِ "جذور تنبتُ في السماء".
**
وقالَ فيه الشاعر شربل بعيني أنّه تركَ بصماتٍ مِن ذهبٍ في الإعلامِ المهجريِّ اللّبنانيِّ والعربي، وكانت له نضارةٌ في القلمِ وسنديانةٌ متريتيّةٌ في الوطن الأمّ لبنانَ انجرحتْ مرّتين: مرّةً لما غادر أبو زياد متريتَ الأبيّة مهاجراً، ومرّةً يومَ رحيلِه عن عالمِنا.
**
العمادُ مشال عون، المطران ناصر الجميّل، الأبُ أنطوان طربيه، البروفسّور فيليب سالم، الفنانةُ مارسيل منصور، الكتّاب: سركيس كرم، أكرم المغوّش ونجمة خليل، الشعراءُ: أنطوان قزّي، البير وهبه، عصام ملكي، وكثيرون وكثيرون أزهرتِ الكلمةُ في قلوبِهم على إسمِ "أبي زياد" الذي قال فيه الدكتور عبد المجيد الرافعي أنّه كان "سويّاً في سلوكِه، جريئاً في وطنيّتِهِ ومواقفِهِ، وعربيّاً كريماً في هُويَّتِه".
**
"وْيا بحرْ سيدني لا بَقَا تعزمْ حَدا \ في عُمُرْ أبيضْ مِتِل القزازْ انكسرْ \ في صوتْ دافيْ ضاعْ بـ حراشِ الصدى" قال بأبي زياد الصديقُ الشاعرُ والفنّانُ، بيّاع الفرح، فؤاد نعمان الخوري.
**
هكذا يرحل الكبار من أبناء جاليتنا اللبنانيّة والعربيّة في أستراليا إلى العالم الآخر. فإلى أبي زياد شعراء وأدباء وكتّاب وفنّانون وناشطون سياسيّون ومنهم مثالاً لا حصراً نعيم خوري، فؤاد نمّور، ميشال عبيد، نبيل طنّوس، جليل بيضون، جميل داغر، عبد الحميد الشامي، فهمي إيراني، عبدالله سليم، أنور فهد، رامز عبيد، ناظم إيراني، محمّد رشاد حدبا، محمود العثمان، عصمت الأيّوبي، وكثيرون غيرهم، تشيّعهم دائماً باقات زهور وورود وكلمات عالية.