منذ يومين وأنا حائر في الكتابة عن جريدة بانوراما، فماذا أكتب عن هذه (المهرة) المشاكسة، والعنيدة، والشرسة أيضاً.. أأمتدحها ببعض كلمات مجاملة في مقال أكتبه بلا مزاج، مثلما أكتب بعض مقالاتي الإفتتاحية اليومية، وأنا أتثاءب كلما أضرب على الكيبورد. إذ كيف تطاوعني أصابعي ان اكتب هكذا، والبانوراما تستحق مني قصيدة حب خضراء.. قصيدة تكون أبجديتها منسوجة من ورد الياسمين، ويكون وزنها بقدر وزن الجمال، وأن يكون بحرها واسعاً وأنيقاً ودافئاً مثل (البحرالأبيض المتوسط).. أم أرسم لها لوحة سريالية خرافية لا أقبل قط أن تكون أقل من (سرياليات) بيكاسو.. ولا أقل من خرافيات، وخبالات (دالي).. أم تراني سأقف تحت شباك سنتها الميلادية، وأغني لها بكل ما في قلبي من حب للحياة والجمال، والميلادات الباهرة: (هابي نيو يير)؟
لكني، وفي لحظة (تجلي) ثملت على أنغام (الحب كله حبيتك فيك).. ولا أعرف كيف لمعت في ذهني فكرة مجنونة.. فقلت لنفسي محادثاً: ألم يقل العارفون بشؤون الدنيا، ان الأمور تقاس بكبيرها، وأن (الوحدة العسكرية تقاس بآمرها، والدائرة الحكومية بمديرها، والفرس تعرف بخيالها.. والبيت يسطع براعيه.. والوردة تقاس بعطرها.. والأوركسترا بمايستروها.. فلماذا لا أحتفل بالبانوراما عبر الإحتفال برئيسة تحريرها، وآمرة وحدتها.. وعطر وردتها، وشجن أغنياتها.. أقصد وداد فرحان؟
وماذا يكون لو أحتفلت بها من خلال عطرها، وحروفها، وضوء يراعها.. فأستعير مثلاً ببعض ما قالته وكتبته وداد هنا وهناك، فيكون بمثابة مقالي الذي سأقدمه هدية لهذه الجريدة المعشوقة بمناسبة اصدارها العدد السنوي الخاص.. وبهذا أكون قد عطرت أيام البانوراما، بوردها، ومن وردها نفسه، مكتفياً بوضع إسمي عليه، ولا أظني أرتكب جنحة أو جناية (بسرقة) هذا الكنز.. خاصة وأني سمعت من قال: أن المحاكم لا تعاقب سُرَّاق الجمال والحب والنور، هل رأيتم يوماً أن محكمة ما قد أدانت عاشقاً (سرق) قبلة من قمر؟
تعالوا معي (لنسرق) قبلة من قمر وداد فرحان عبر حوار عذب أجراه معها الزميل أبراهيم الثلج، وقد نشر في مركز النور..
حيث تجيب على سؤال يبحث عن هوية وداد فرحان.. فتقول:
- وداد فرحان امرأة من هذا العصر، أنتمي إلى عبق القداح الذي يملأ شوارع بغداد أريجَ عطر على الرغم من دخان الانفجارات البلهاء، أنتمي إلى زرقة عمق السماء عندما تنعكس ضوءا باهرا على صفحات موجات دجلة، أنتمي الى لون القصب في اول اخضراره عبر براري اهوار وادي الرافدين، أنا ندفة ثلج افترش ظل النرجس على كتف جبال كوردستان. انا عراقية احيك، وانسج الحرف في محيط الحرية والنقاء الاسترالي، لاجعله ينطق بما يحمله القلب من حب للناس، كل الناس، هذه هويتي، ولا احمل هوية غيرها.
س2 ومتى تغربت وداد وما ذا استفادت من الغربة في بلاد المهجر؟
- في اوائل التسعينيات.. تغربت عندما لم تعد للحياة من معنى في بلادي، وأنا اعشق الحياة ، تغرّبت عندما أحسست بأنني الغريبة في أرض المفروض أنها وطني، لم أتغرّب عن أرض وملاعب الصبا فقط، بل تغربت عن وجه أمي وأبي وأخي الذي هدر دمه الطاهر عنجهية الاحقاد البليدة التي لا ناقة لها بها ولا جمل، والتي جاءت بها العاصفة الطائفية الرعناء، الصامتة في اولها والمعلنة في اخرها، وعندما غادرتُ كنتُ أعضّ على اصابعي من ألألم، عشت الغربة جزع جسد ومأساة روح وقلق وجدان، وهمومها أرّقت كياني وكيان عائلتي، التي جبت معها العديد من البلدان حتى أجد ملاذا أدفن فيها أحزاني وأشواقي، تحملت موت العبرات، وتهت في اولها بين اسوار الغمّ والتعلق بريشة في مهب أمواج عاتية كانت تتلاعب بنا في غابة نجهل مواطنها. تغربت لكني وقفتُ على قدمي ثابتة الجنان، هزِأت بالرّيح، ولم تهزّني الرّيح)!!
نعم يا وداد .. أنا فالح حسون الدراجي أقول لك في ختام هذه الجمالية: لقد أحببناك، وأحببنا (بانوراماك) لأنك: وقفتُ على قدميك ثابتة الجنان، فهزِأت بالرّيح، ولم تهزّك هذه الرّيح!!
دمت.. ودامت بك (وحدتك) الصحفية..