نامت واستفاقت اوربا على وقع تسونامي اللاجئين من دول الشرق الاوسط وافغانستان وبعض دول شمال افريقيا علما ان هذا الامر طبيعي نتجة الازمات الاقتصادية والحروب بهذه المناطق التي مضى عليها عقود وتوغل الارهاب وخلط الاوراق وبدات حروب غير مسبوقة ولم تعرفها البشرية منذ قرون وأتت على الاخضر واليابس وصلت شظاياها الى اندونسيا وفرنسا وامريكا ولا احد يعرف هذا السرطان المتخفي "الارهاب" في كل المعمورة والذي صنعته دوائر مخابراتية ودول حليفة لامريكا وشركائها باعتراف وزيرة خارجية امريكا السابقة والمرشحة لرئاسة امريكا" هيلاري كلنتون" ومن المسلم به ان الارهاب ضرب الاستقرار الهش لدول تعاني من الفقر وتخلف نظم التعليم والصحة وانتشار البطالة وتراجع العدالة الاجتماعية والحريات والتنمية كل هذا دفع الملاين من مواطنين تلك الدول للبحث عن اماكن اكثر امنا وعدالة فشدوا الرحال عبر البحار والمحيطات تحت ظروف قاسية ورحلة محفوف بالمخاطر المميته راح ضحيتها الالاف من الذين يحلمون بغد افضل واكثر امان.
كانت اوربا هي الوجهة الاقرب بمجرد عبور البحر الابيض المتوسط، وبعد ان وجد هؤلاء دعوات ترحيب من اليسار الاوربي و"العمة ميركل" وتعاطف من بعض شرائح المجتمع الاوربي الذي يقف بوجه العنصرية. لكن سرعان ما انقلبت الصورة راسا على عقب بعد وصول موجات من اللاجئين والتي لازالت مستمر وربما تتجاوز الملايين مع تحسن الطقس وانقضاء الشتاء.
وكشف نزوح عدد كبير من طالبي اللجوء عجز الحكومات الاوربية من مراقبة الحدود بين اليونان وتركيا بلدي العبور باتجاه دول استقبال اللاجئين، كما عجزت اوربا بالتوصل لحلول جذرية لايقاف هذا الاجتياح الغيرمسبوق والغير متوقع منذ عقود، جاء نتجة لصراعات دولية وسمحت به بعض دول الاقليم من اجل ابتزاز اوربا مما دفع المستشارة الالمانية "انغيلا ميركل" التي كانت المدافع الاقوى لاستقبال اللاجئين للقول:
(ان السلطات الاوربية غير قادرة على التعامل مع ازمة اللاجئين بشكل مناسب).
لقد اصدمنا فجاة بمشكلة وصول اللاجئين الى اوربا ونرى اننا ضعفاء لاننا مازلنا لانملك ذاك النظام والتحكم الذي نود امتلاكه) ومازاد الطين بلة هو احداث ليلة راس السنة الميلادية 2016 وما رافقها من احداث سرقة وتحرش جنسي في المانيا والسويد والنرويج وفنلندا.
علما ان هذه الجرائم تحدث في كل المناسبات الكبيرة في اوربا وغيرها وهي مدانة بكل الاعراف والاديان والقوانين "وياغريب كون اديب" لكن دخول الارهاب على الخط اجج فوبيا مضافة عند الاوربيين الذين يعانون من الاسلام فوبيا ولم يكف الاعلام بتاجيجها وتستغل من قبل مجموعات نازية متطرفة وعنصرية.
باتت اوربا على المحك مما حدى بعض الدول بالتهديد بتغيير قواعد الاتحاد الاوربي مثل (التشيك وبولندا وسلوفيكيا والمجر) ولاقى هذا التشدد ضد اللاجئين من منطلق ثقافي وديني ترحيب ومساندة اليمن المتطرف.
واصبحت كل المشاكل تعلق على القادمين الجدد وبات العام يعيش فوبيا مضافة الى الاسلام فوبيا. هذا ما اعترفت به رئيسة مقاطعة "كولونيا الالمانية" "هنرييتي ريكر" (ان الاحداث الصادمة في كولونيا حطمت ما كان هشا) وبشهادة ادارة شرطة المقاطعة انها تعاني من النشل والتحرش حتى قبل الاحداث الاخيرة.
وابعد من ذلك ذهب بابا الفاتيكان "فرنسيس الاول" في خطابه السنوي للدبلوماسين في مدينة الفاتيكان قائلا: (يبدو ان الموجة الجديدة من المهاجرين تقوض اسس الروح الانسانية التي طالما احبتها اوربا ودافعت عنها) ان الوافدين الجدد يشكلون 95% من الديانة الاسلامية ويحملون ثقافة مختلفة في نظرتهم للمراة والاعتقاد والتاريخ والعادات فليس بسهوله ادماجهم بشكل فعال في المجتمعات الاورببة التي ولد فيها الجيل الثالث من المهاجرين او اللاجئين بعد حرب الخليج الاولى1991 من العراق والصومال وبلدان اسلامية اخرى ولم تفلح برامج الاندماج ولم تاتي أكولها المأمول ناهيك عن التجربة الفرنسية مع رعايا مستعمراتها القديمة لازالت عملية الاندماج تلاقي عقبات كبيرة رغم ان اللغة لتك المستعمرات اللغة الفرنسية ومرت عقود طويلة عليهم في فرنسا ولازالت هناك معوقات كبيرة من اهمهما اشكالية الهوية والدين والموروث الثقافي).
ومع ظهور الحركات والجماعات المتطرفة في حرب افغانستان وتشجيع الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي اضيف عامل خطير بدا اليوم يفتك بالجميع الا وهو الارهاب الذي استخدمته امريكا وحلفاءها ضد الاتحاد السوفيتي السابق وباركته معظم الانظمة العربية وساهمت به بقوة وهي تجني اليوم ما اقترفته ايديها وانقلب السحر على الساحر وبدلا من التنمية المستدامة لتك الشعوب اصبحت تعاني من الفقر نتجة هدر المليارات على الاسلحة والامن المفقود والنزاعات البينية للدول الاسلامية والعربية على وجه الخصوص ان هذه الاعداد الضخمة من اللاجئين جاءوا من مناطق تعاني من امراض اجتماعية وحروب ولم يكونوا معتادين على مفهوم الحريات العامة والقانون وبكل تاكيد بينهم من يحمل افكار متطرفة او من ينتمي الى جماعات ارهابية والجريمة المنظمة.
وان اختلاف الثقافة الجنسية والنظرة الى التعري والعلاقة بالاخر بعيدة كل البعد عن ثقافة اللاجئين وهذا موضوع بحاجة الى وقفات اخرى، لانهم جاءوا من مجتمعات ذكورية فيها فضائع مسكوت عنها مرة بسبب الدين ومرة اخرى بسبب الاعراف الاجتماعية كالتحرش والاغتصاب والسرقة فكان الصدام والخروقات تحصيل حاصل بين ثقافتين مختلفتين وعلى النقيض تماما.
فتفاقمت مشكلة اللاجئين واخذت منحى سلبيا بالضخ الاعلامي من المعارضين لقبول اللاجئين ليحرج الجميع وبات وجود هذا العدد الكبير في المانيا اشبه بالورطة التي دفعت البعض للاحتياط باجراءات مخالفة لروح التسامح الاوربية والقانون وصولا لنشوب خلافات حادة بين دول الاتحاد الاوربي باتخاذ اجراءات غير مسبوقة ضد المهاجرين كما هو حاصل بالدنمارك حيث قام السلطات بتجريدهم من مصوغاتهم ومايملكون من اموال او بابعادهم في "كمبات" معزولة.
في اوربا لاتوجد تعددية عرقية كما هو الحال في استراليا وامريكا وكندا والمجتمع وبعض المجتمعات تعاني من الانغلاق وقوانينها لاتسمح للمسلمين بممارسة الكثير من خصوصيتهم وهذا حق لها لانها تراعي دستور بلادها التي يعتبر العقد بين الحكومة او الادارة والمجتمع فليس من السهل ان تسمح ببعض الممارسات المرفوضة من وجهة نظر إجتماعية وثقافية.
وهذا لايعني ان الاتحاد الاوربي تخلى عن مبادئه كحامي لحقوق الانسان والحريات وعلى اللاجئين ان يرفعوا من منسوب تفهمهم ووعيهم للدول التي لجئوا اليها وان الفضيلة الوحيدة التي تحكم هي فضيلة القانون وهذه مشكلة عصية على اللاجيء في بداية الامر لانه جاء من خلفية مختلفة كليا كما ذكرنا آنفا.
ومن دون مقدمات كما حصل لموجات سابقة كان يتم اخذها عن طريق مخيمات اللجوء الخاضعة للامم المتحدة "مفوضية شؤون اللاجئين" وهذا يمنح المهاجر او اللاجيء معلومات ومفاتيح تساعده على ان يكون فكرة عن وجهته والبلد الذي يستقبله من خلال مقابلات ولقاءات توضح له جوانب قانونية وتوعوية وان كانت بسيطة لكنها تساعد بشكل او اخر.
وفي ظل هذه المعضلة التي لم تجد حلا لها في الاتحاد الاوربي وابدى البعض تخوفه وصل لحد التفكير بالغاء اتفاقية دبلن واتفاق شنغن للتنقل بين دول الاتحاد الاوربي والتي اذا ماالغيت ستمنع من ترحيل اوعادة طالبي اللجوء الى دولة دخلوها في الاتحاد الاوربي مما سيحدث تفاوت في توزيع اللاجئين على الاتحاد الاوربي بحصص تاخذ بعين الاعتبار عدد سكان كل دولة.
اصبحت ازمة اللاجئين مصيبة عند البعض الذي ضاق باللاجئن ذرعا فحين استثمرها اخرون للابتزاز وجني الارباح "ان مصائب قوم عند قوم فوائد" لكن التجربة تقول ان الحروب ونتائجها ستحفر مصائب عميقة في التاريخ الانساني لاتمحى بسهولة وهي السبب الرئيسي لتدفق هذه الموجات البشرية من طالبي اللجوء.