“تعريف بسيط للغة هي نسق من الإشارات والرموز، تشكل أداة من أدواتالمعرفة، وتعتبر اللغة أهم وسائل التفاهم والاحتكاك بين أفراد المجتمع في جميع ميادين الحياة. وبدون اللغة يتعذر نشاط الناس المعرفي. وترتبط اللغة بالتفكير ارتباطًا وثيقًا. فأفكار الإنسان تصاغ دومًا في قالب لغوي، حتى في حال تفكيره الباطني. ومن خلال اللغة تحصل الفكرة فقط على وجودها الواقعي. كما ترمز اللغة إلى الأشياء المنعكسة فيها، فاللغة هي القدرة على أكتساب واستخدام نظام معقد للتواصل وخاصة قدرة الإنسان على القيام بذلك، ثمة اتفاق عام عند علماء اللسانيات والا نثروبولوجيا أن أصل اللغة متصل بشكل قوي بأصل سلوك الإنسان.“
هناك تساؤلات حول فلسفة اللغة نوقشت من قبل جورجياس وبلاتو في اليونان القديمة. وتاثير الكلمات، يمكن أن تعبر عن خبرة ما، فيقول بعض من المفكرين مثل روسو أن اللغة نشأة من العواطف، بينما آخرون مثل كانت يرى أنها نشأة من التفكير العقلاني والمنطقي، ومن فلاسفة القرن الـ20 مثل ويتينستاين قد قال بأن الفلسفة هي حقا دراسة اللغة. لقد غفل علماء الاجتماع واللغة في العراق في وقتنا الحاضر وكذلك الاعلام ظاهرة تراجع وانحطاط اللغة المحكية ”الدارجة“ منذ قرابة ثلاث عقود بعد الحصار الجائر والاحتلال. حيث ازدادت سوء وتدهورت بشكل خطير وباتت غير معبرة عن الشخصية العراقية التي قرانا عنها وعرفناها وعشناها. اصبحت غريبة خالية من جذورها ومغايرة التكوين بكلمات وصفات بذيئة فارغة من اي معرفة أوقيمة جمالية او ذوق وقاصرة عن التعبير. ان هذا مرده لسلوكيات المجتمع ونكوص التعليم المؤسساتي وتدهور قيمي اخلاقي، حتى النخب باتت تسعى اواقتصر طموحها ودورها بالحصول على الشهادات العليا للالتحاق بوظيفة “دكتورا او ماجستير عاطل عن العمل“ داخل مؤسسات الدولة وهمهم فرق الراتب على اساس الدرجة العلمية الموجودة على الورق وتخلت عن دورها التنوري وتطوير المهارات ومن ضمنها وعلى راسها اللغة والسلوك المتمثل بالتربية والمعرفة، ولم يك الانحدار الاخلاقي بعيدا عن هذه الكارثة التي انتجت لغة بذيئة بين افراد المجتمع الذي بات يتداول الكلمات والمفردات نفسها في الشارع والباص والفضائيات والمجالس العامة والبرلمان. ولاغرابة ان نجد بعض رجال الدين والسياسيين وكبار موظفين الدولة ان يتعاملوا باللغة نفسها الغير معبرة بدقة عن الاشياء او يستخدمون بعض الكلمات التي يتداولها الجهلاء والغير متعلمين والسوقة على سبيل المثال يخرج رئيس الوزراء ويقول الوزير الفلاني كذب علي او وجود فضائيين في الدولة او حواسم او دمج وماشابه من المفردات والاسماء والصفات الدالة على الهمجية والتحايل والغلظة والغير مهذبة وما اكثرها.لكنها باتت غير صادمة ومستساغة لان افعال وسلوكيات وقيم المجتمع الجديد تقبلتها. وكما يقال الكلام صفة المتكلم وهو المعبر الاول عن الشخص. بكل اسف انسحبت هذه اللغة على الدراما والمسرح وفي بعض الصحف والسوشيال ميديا لانها تلقى صدى عند جمهور عريض يتقبلها ويصفق لها لانها لغته التي يستخدمها.
من خلال هذه الاشارة لاباس بالتذكير ان المجتمعات الراقية والمتحضرة التي تعبر عن سلوكها بلغة مهذبة وراقية وواضحة.. بعض الامثلة: ان موظفي الدولة والادارات والساسة يستخدمون لغة قانونية لا تشوبها شائبة في الشرح وتشريح افكارهم خلال المقابلات مبتعدين قدر الامكان المفردات التي تعتبر اتهامات الا في حالة توفر قرائن وبراهين دامغة. اما في الشارع والاسواق والمواصلات انك تسمع كلمة "سامحني" و "شكرا" و "تفضل" عشرات المرات خلال اليوم ان لم نبالغ ونقول مئات المرات هذا ان دل على شيء يدل على روح التسامح والاحترام بين افراد المجتمع لانه تخلى عن همجية الانسان الفطرية منذ قرون ويحاول ترسيخ انسانيته كلما استطاع سبيلا. كل عراقي عليه ان يقارن بين لغته اليومية الدارجة وسلوكياته لكن ليس باثر رجعي مع الاعراب بل مع تاريخه الجميل والخير ولغة الام العظيمة "لفصحى" وتراثه الحافل بالامثال والقصص التي نسجت من المحكية الدارجه وشكلت الذاكرة الجمعية للامة.
ولو عملنا مقارنة اخرى لكبار الشعراء الشعبيين لوجدنا ان مفرداتهم وصورهم الشعرية المعبرة تجبرك على السماع والاستمتاع بها وكذلل اغاني المطربين لجيل ماقبل الثمانينات من القرن المنصرم.
اللغة الدارجة او المحكية. وهي الاقرب الى عواطف ومشاعر المجتمع بكل شرائحه ومستوياته الطبقية والاجتماعية ان ظاهرة انحطاط المحكية في الوطن العربي متفاوتة لكنها لاتبشر بخير على الاطلاق.
كل الدول تملك لغة رسمية واخرى محكية شعبية لكن لم تكون بفجاجة وفضاضة وتباين ما هو عليه اليوم حال اللغة العربية، والبون شاسع بين الفصحى والمحكية في الوطن العربي بكافة الاقطار العربية.