هنا لا أنبش في تفاصيل ويوميات معسكر رفحاء لانها متشعبة جدا وهي احداث ووقائع وتجارب لعراقيين اغلبهم من مدن الجنوب والفرات الاوسط، عاشوا في معسكر محاط باسلاك شائكة ولايتجاوز طوله وعرضه كليومترا واحدا حشر فيه كل اصناف البشر ومشيد على رمال الربع الخالي المتحركة، ان مايهمني هو الالتباس الحاصل اليوم واللغط المشتعل والتاجيج المجتمعي لهذا الفريق او ذاك بسبب الامتيازات المجحفة وغير المسبوقة الممنوحة بانتقائية وعدم مساواة حتى للمشمولين بقانون السجناء السياسيين من شريحة رفحاء أنفسهم.
انا شاهد عيان، ومررت بهذا المعسكر واول من كتب عنه "رفحاء تبحث عن الخلاص" بصحبة الصحفي السعودي "عبد العزيز السويد "سكرتير تحرير" مجلة اليمامة" التي كتبت فيها مقالات وتحقيقات عن المعارضة العراقية "1991م- 1992م" كما كنت اشرف على زاوية في الصحف التي تصدر في لندن تحت عنوان بريد رفحاء وهي صحف عراقية معارضة " صحف صفراء" كان هدفها مواجهة نظام الطاغية اعلاميا وفضح زبانيته من الاعلاميين والماجورين ولوبياته المتعددة .
كثير من الشعراء والكتاب والنخب العلمية والاجتماعية الذين مروا بمعسكر رفحاء يتذكرون ذلك جيدا ولا يستطيعون انكاره لانه موثق. وما كتب عن رفحاء جزء كبير منه مجاف للحقيقة وكثير من التفاصيل بقيت تحت رماد النسيان والخوف من البوح بها ولن تظهر لانها تدين المعارضة العراقية والاحزاب "السلطة الحاكمة اليوم" التي لها يد في استغلال لاجئي رفحاء بشكل او باخر وكذلك مخابرات دول اقليمية استخدمته اعلاميا ودوليا للضغط على نظام الطاغية بعد تحرير الكويت وهزيمة صدام حسين الماحقة والمذلة التي غيرت وجه العالم اقتصاديا وسياسيا وتحمل العراق تبعاتها ليومنا الحاضر.
كانت لي نشاطات اخرى مع المعارضة المتواجدة في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية ولا اخفي صداماتي مع البعض لابتذالهم ورخصهم وتملقهم للسعوديين بمناسبة وغير مناسبة، ولهذه وقفة اخرى . وبسبب عدم انتمائي لاية جهة حزبية وهذا لايستقيم مع البقاء في الرياض كمستقل . ومن ثم خيرت من قبل السلطات بالرجوع للمعسكر ثانية او مغادرة البلد بسبب وشاية من فريق من المعارضة العراقية لايروق لهم من ياتي من معسكر رفحاء وينشط اعلاميا وسياسيا، وساذكر بعض الاسماء التي قابلتها في هذا المقام وغيره وهم احياء يرزقون وبعضهم تبوأ وزارات او اعضاء في مجلس النواب، وسانشر بعض الصور من ارشيفي الشخصي الذي تعرض معظمه للضياع .
حصولي على جواز سفر "هدية من السماء"
بمساعدة احد الاصدقاء "السيد رسول سيد رشيد اليوشع" وهو من عائلة قدمت عشرات الشهداء في مقاومة الاستبداد الصدامي وكان لهم دور مؤثر وكبير في انتفاضة 1991م ، كان متواجدا للعلاج من اصابته البالغة في الانتفاضة "بالرياض". نقل مشكلتي الى الدكتور "همام حمودي" مستشار السيد "محمد باقر الحكيم "رئيس المجلس الاسلامي الاعلى"نائب رئيس مجلس النواب الحالي" اثناء زيارته للرياض ووعدني خيرا بتدبير جواز سفر عراقي "مضروب طبعا" للخلاص من البقاء في السعودية وعدم تهديدي بالعودة للمعسكر المشؤوم مرة اخرى.
ووفى الرجل بوعده بعد اسبوعين ثم غادرت الى الاردن عام 1992م البلد الوحيد الذي كان لايشترط تاشيرة "فيزا" على العراقيين وبمساعدة "سعدون الدليمي" وزير الدفاع السابق ،حيث كان ينشط بين الادن والسعودية ولندن وبتوصية من صديقه الذي اختلف معه بعد 2003م السيد "صلاح عمر العلي".
ف "صلاح عمر العلي" والشاعر المرحوم "زهير الدجيلي" من دعاني الى الرياض عند زيارتهم للمعسكر للعمل كصحفي لتغطية الشأن العراقي . كل هؤلاء الاشخاض ينتمون الى احزاب من اليمين واليسار،اسلاميين وعلمانيين وهذا دليل على ان علاقتي بالجميع كانت على مسافة واحدة اي كمستقل. بقيت في الاردن اكتب باسم مستعار في مختلف صحف المعارضة في اوربا وهي مغامرة كبيرة بسبب نشاط المخابرات العراقية في "عمان" ووجود عملاء للنظام. ثم خرجت عن طريق الامم المتحدة الى فنلندا عام 1993م بعد ان تمت مضايقتي اسوة بالعراقيين المقيمين في "عمان" الذين يجب ان يدفعوا رسوما وغرامات، تجاوز وجودهم اكثر من شهر في الاردن "مدة الاقامة المسموح بها " للعراقي. ولولا الامم المتحدة لسفرت الى العراق، ولم اكن اكتب هذه السطور اليوم ولاصبحت في عداد الموتى الذين غيبوا في اقبية مخابرات صدام حسين . كان حصولي على جواز سفر هو بمثابة هدية من السماء فعلا في تلك الاوقات العصيبة والمحنة السوداء، لكن اي عراقي معارض ومطلوب للنظام كان يتمناها بدلا من ان يبقى في داخل العراق او بالعودة الى معسكر رفحاء مرة اخرى .
هذه المقدمة فقط للتذكير لتكون الاحاطة بالموضوع . انا شاهد عيان ولست من يكتب وهو لايعرف حقيقة معسكر رفحاء، اوبعض الحقائق عن المعارضة العراقية " حكام العراق اليوم" الذين كانوا يرفعون مظلومية الشيعة والوطن وينادون بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية ليل نهار، وهم اول من انقلب حتى على رفاقهم بعد ان سلمتهم امريكا مقاليد الحكم لبلد غني وثري بكل شيء . تلك الحقبة اصبحت من التاريخ ولم يسلط عليها الضوء بشكل أمين وموضوعي لاسباب عديدة .
وهي جزء من ماساة تاريخ العراق الدموي الذي اكل منا عشرات الالوف من الضحايا والمغيبين والنفي الاجباري للخلاص من الطاغية، ومن ثم اصبح النفي الاختياري بسبب السلطات والاحزاب التي كانت هي الاخرى في المنفى لكنها داست على كل شعاراتها ومظلومياتها للمتاجرة من اجل المال والسلطة، فاصبح العراق لا دولة، او دولة الاحزاب الطائفية والعوائل الحاكمة التي لايهمها سوى الاستحواذ والامتيازات فاسقطت كل شعاراتها الوطنية الزائفة والجهاد أيام المعارضة، وتنكروا حتى لبعض شهدائهم ورفاقهم ، وضاع حلم العراقيين بالتغيير مهما كان فاعله وبات العراقي يعيش في ظروف لايمكن تخيلها، مضافا اليها الخوف والارتياب والارهاب اليومي وانعدام الخدمات والامل وهذا اخطر ما في الامر.
اشكالية شمول معسكر رفحاء بمؤسسة السجناء السياسيين
من حق اي مواطن عراقي تضرر في عهد "صدام حسين " ان يطالب بتعويض ، 80% من الشعب العراقي متضرر بشكل او بآخر.
ولطالما عوضت الامم المتحدة حتى الاسرائليين الذي اصيبوا باذى نفسي من اموال النفط العراقي، علما ان "صواريخ التنك"التي اطلقها "صدام "على اسرائيل للاستعراض ولم تقتل اسرائيليا واحدا ولا ذبابة هناك ، وتم تعويض العمالة المصرية والهندية ودول الخليج الغنية وكل من هب ودب ، اذن من حق لاجئي رفحاء الهاربين من بطش الطاغية ان يعوضوا بشرط عدم المبالغة بالتعويضات وعلى حساب العدالة الاجتماعية ، فلاجئو رفحاء خليط ممن ثار وانتفض على النظام المقبور ورفع السلاح بوجهه وصودرت اوهدمت ممتلكاته وعوقب من تبقى من اهله واقربائه حتى الدرجة الثانية، وهناك من خرج للبحث عن الحرية، وسجناء ، وهاربين من الخدمة الالزامية، وفئة اخرى للبحث عن لقمة العيش .
حسب الاحصائيات الموثقة عند منظمة الاغاثة الاسلامية في المملكة العربية السعودية وهي "القوائم الاكثر مصداقية" ان تعداد سجناء معسكر رفحاء لايتجاوز "29 الف" شخص وبامكان الخارجية العراقية الحصول على هذه الاحصائية مباشرة من السلطات السعودية، ولكن بقدرة قادر واحزاب المظلومية، اصبح العدد 48 الفا . كيف ؟.. لااحد يعلم .
ليس بمقدور كائن من يكون ان يفرق بين كل هذا الحشد، وعليه وجب شمول الجميع بنفس الامتيازات والحقوق لكن ليس من المنطقي ان من يولد بعد عام 1991م بعد الانتفاضة ان يتقاضى نفس الحقوق باثر رجعي اضافة الى الذهاب للحج مجانا وتسليمه قطعة ارض، ومبلغ 80 مليون دينار عراقي، وانتقل فيما بعد للدول الاوربية وامريكا واستراليا كلاجئ سياسي ، وبقية الشعب يرزح تحت وطأة الخراب وانعدام الخدمات بعد ان قاسى من الحصار البشع والقمع طوال عقود تحت نظام صدام حسين؟!. اضافة الى ذلك هناك من اصبح برلمانيا ومديرا عاما او ضابطا برتبة عالية من لاجئي رفحاء "الدمج" ويتقاضى اكثر من راتب مليوني هل من المعقول ان يتساوى مع من لايملك حتى سكنا يؤيه؟! .هنا فقدنا التوازن بالمساوات التي ينص عليها الدستور العراقي، وحدث اخلال في العدالة الاجتماعية وهو امر مخز ومعيب جدا بسبب المبالغة في الامتيازات التي تحصل عليها فئة " السجناء السياسيين" دون بقية افراد الشعب بفارق كبير ولايمكن تبريره باي منطق اوشرع كما لا يقبله اي عاقل، والعراق بقضه وقضيضه كان سجنا كبيرا.
اذا كان تمرير صفقة لاجئي رفحاء مقابل تعويض فدائي صدام والاجهزة القمعية المنحلة حسب ما يشاع، يصبح هذا التشريع مرفوضا جملة وتفصيلا لانه يساوي بين الجلاد والضحية، وعار على من يتبجح بتمريره من اجل الانتخابات او صفقة لبقائه في كرسي الحكم والوظيفة وأن 40% من الشعب العراقي يرزح تحت خط الفقر مع انعدام الخدمات وما يمر البلد به من ازمة مالية طاحنة وفساد مالي واداري وهجمات ارهابية متوحشة دفع العراقيون ثمنها الاف الشهداء من الجيش والحشد الشعبي والمدنيين؟! .
وبدلا من ان تبدأ الحكومة والبرلمان بإعادة النظر في بعض القوانين المجحفة وغير السوية وغير العادلة، استمرت بفتح ابواب جديدة للفساد مثل رواتب وامتيازات البرلمان والرئاسات الثلاث الفلكية ، وتعاظم امتيازاتهم بشكل غير معقول وتعيين اقربائهم تحت مسمى مستشار " بدرجة وزير" .
واستمر نزيف المال العام اضافة الى المشاريع الوهمية والفساد الذي يصول في وزارات الدولة ومؤسساتها وهذه ليست اتهامات بل حقائق موثقة على مدى 13 عاما يعرفها الداني والقاصي والمواطن البسيط ، ورغم ذلك الا اننا لم نجد فاسدا اوسارقا للمليارات خلف القضبان! ، وبذات الوقت تستقطع رواتب المتقاعدين والموظفين والشرائح المهمشة وهم الاغلبية العظمى!! .
شمول لاجئي رفحاء ومنحهم حقوقا لا احد يعترض عليه، اذا كان يخضع للعدالة الاجتماعية وفق منطق انساني عادل يشمل جميع افراد الشعب العراقي والتدقيق القانوني للمشمولين وبشرط ان يشمل جميع من ثبت انه من قاطني المعسكر المذكور، لكن هناك من تلاعب واضاف اسماء لم تكن مرت بحياتها في معسكر رفحاء، ولم تقاسي لحظة واحدة هجير الصحراء والعطش والنوم في العراء والعيش وسط مجتمع مكرها عليه .
هذا القانون فيه الكثير من الثغرات والظلم اسوة بكثير من القوانين التي مررت بالمحاصصة الطائفية للكتل السياسية والكسب الانتخابي مثله مثل قوانين اخرى لامعنى لها " كالخدمة الجهادية" وهذا قانون غير مسبوق منذ ظهور الاسلام ولم يذكر بتاريخ البشرية و دساتير الامم .
خصت نية الجهاد في القرآن وقيدت بقيد " في سبيل الله" لا من اجل اضافتها الى الخدمة من اجل التقاعد واخذ المال السحت وحرمان الارامل والايتام والاطفال من مدارس تليق بطفولتهم.
اليس الاولى ان تنصفوا المستضعفين من ابناء وطنكم وجلدتكم ؟.
انتم من يقرأ القرآن صباحا وعشيا وتقيمون صلاة الليل وعاشوراء وتحجون وتزورون مراقد اهل البيت الاطهار.
{وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} سورة النساء: 75.
لايوجد في اي دستور او شريعة منذ الخلق ومنذ ان وضع البشر دساتيرهم ان يتقاضى البعض اكثر من راتب في الدولة واخر يتضور جوعا، كل الدساتير التي عرفناها منذ زمن ارسطو طاليس الى يومنا هذا غير مذكور فيها خدمة جهادية، هذه بدعة مضحكة شرعيا وقانونيا واخلاقيا!!.
حملات تسقيط ووعيد
في كل قضية خلافية في العراق تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الصحف والفضائيات باطلاق احكام جائرة وتسقيطية، ونعت المخالف بشتائم تصل لحد الطعن بالامهات والاعراض، وهذا دليل على غياب الوعي والانقسام والتشظي المجتمعي وعقلية الثأر وانحطاط الحوار عند النخب. في كل مشكلة او حق مهضوم ومستلب وظلم يلحق بالشعب العراقي بعد 2003م سببه قانون خاطئ شرع وفق مصالح الاحزاب واهوائهم التي سببت تشظيا اجتماعيا وفوضى قاتلة وتاجيجا اعلاميا غير مسؤول خارج الاعراف والاخلاق والقانون. كل ما جرى ويجري بسبب تلاعب القيمين على ادارة البلد من سياسيي الصدفة من اجل مصالحهم ومصالح احزابهم ولايرجعون الى الدستور والقانون ودأبوا على تمرير كل شيء بالمحاصصة والحزبية والطائفية والاستمرار في الحكم من خلال خلق انشقاقات مجتمعية واللعب عليها والهاء الشعب بها لانها الضمان الاكيدة لبقائهم والتحكم بالجماهير بسهولة وحرف الانظار عن الحقوق التي يجب ان تكفلها الدولة لجميع مواطنيها.
هذا مرور الكرام على ما يثار من لغط وخلاف حول موضوع لاجئي رفحاء وشمولهم بمؤسسة السجناء السياسيين .
وسيكتب اخرون اراء موافقة او مخالفة وكلها مرحب بها ومن حق اي انسان ان يدلي برأيه شرط ان يدعمه بالأدلة والقرائن واحترام الراي الاخر بعيدا عن التسقيط الشخصي والتخوين المجاني.
واخيرا يجب ان نحتكم لعراقيتنا والدستور والجميع يملك حقا بالوطن بغض النظر عن دينه ولونه وعرقه وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية لجميع افراد المجتمع العراقي والتي نص عليها الدستور {الباب الاول : المبادئ الاساسية: المادة 14} الذي كتبه الشخوص انفسهم الذين سعوا لشمول لاجئي رفحاء بقانون مؤسسة السجناء السياسيين .
هناك اكثر آلاف القصص عن معسكر لاجئي رفحاء والمعارضة العراقية قبل سقوط بغداد، احتفظ بها للأيام القادمة وابطالها احياء يرزقون. حق الرد مكفول للجميع.